العمارة الفاطمية
الطراز الفاطمي.
تميّزَ طراز العمارة الفاطمية عن
غيره من الطرز المعمارية الإسلامية، وأصبح له طابع خاص، يتجلى في مبانيه القائمة
من مساجد ومشاهد وأضرحة وأسوار وأبراج وغيرها من العناصر المعمارية والفنية.
ومن أهم خصائص طراز العمارة الفاطمية
استعمال الأحجار بشكل أساسي في المنشآت الدينية والحربية والأضرحة. وبفضل استعمال
الحجارة في العمائر الفاطمية، تطورت عمارة المساجد الفاطمية تطورًا كبيرًا، وامتاز
بناؤها بالمتانة والفخامة والصلابة. وليس معنى ذلك أن الطراز الفاطمي لم يستخدم
الآجر في البناء، فقد شُيدت قاهرة جوهر بالآجر. كذلك استُخدم الآجر في بناء القباب
والعقود والأسقف والجوانب الداخلية للحوائط.
كما استُخدمت في بناء بعض المساجد
الأحجار والآجر، ومن أمثلة ذلك جامع الحاكم بأمر الله (403هـ). كذلك استُخدمت
العوارض الخشبية في تدعيم الجدران والأعمدة السابحة في تثبيت الأسوار الحربية.
وقد اعتنى المعمار الفاطمي عناية
كبيرة بصقل الأحجار ونحتها وتنسيقها في البناء مِمّا ساعد المعمار كثيرًا على
الاستغناء عن الأكسية الجصية، كما ساعد استعمال الأحجار في العمائر الفاطمية على
تنفيذ الزخارف عليها بطريقة الحفر أو النحت مباشرة، مثال ذلك واجهات جامع الأقمر
والصالح طلائع وكذلك أسوار وأبواب القاهرة.
كذلك شاع في العمائر الفاطمية
استخدام الصَّنْجات
المعشقة (قطع الحجارة
الصغيرة) في مصر لأول مرة، مثال ذلك أبواب القاهرة الفاطمية مثل باب النصر والفتوح
وباب زويلة. وقد استخدم المعمار الفاطمي تلك الصنجات في تكوين إطارات عقود فتحات
الأبواب، وكذلك في الأعتاب، والعقود. ثم تطورت بعد ذلك في جامع الأقمر والصالح
طلائع، حيث اتخذت الصنجات المعشقة مظهرًا زخرفيًا، مع احتفاظها بوظيفتها المعمارية.
كذلك امتازت المساجد الفاطمية في مصر
والمغرب بالتطور الكبير الذي أُدخل على طريقة استخدام الروافع حيث استعمل
الفاطميون انحدارات فوق تيجان الأعمدة وبدأت، ولأول مرة، تُصنع الأعمدة خصيصًا
للمساجد بعد أن كانت تُنقل من عمائر قديمة. كما استخدم المعمار الفاطمي الدعائم والأكتاففي بعض المساجد الفاطمية من أمثلتها جامع الحاكم الذي
قيل إنه شُيد على غرار جامع ابن طولون وأيضًا جامع المهدية في تونس. كذلك شاعت في
الطراز المعماري الفاطمي أنواع عديدة من العقود منها العقد المقوّس والمدبَّب والمنفرج والمنبطح والمحدب والمنكسر ونصف الدائري. ومن
أشهر العقود انتشارًا في العمارة الفاطمية العقود الفارسية. كذلك استُخدمت في
العمائر الفاطمية المداخل
البارزة عن سمت
الواجهة والمعروفة بالمداخل التذكارية، ومن أقدم أمثلتها المدخل الرئيسي في جامع
المهدية بتونس والمدخل الرئيسي في جامع الحاكم بالقاهرة.
كذلك عرفت العمائر الدينية في الطراز
الفاطمي أنواعًا عديدة من مخططات المساجد منها جامع المهدي الذي ظهرت فيه لأول مرة
ظاهرة تعدد الصحون وجامع الأزهر الذي كان يتكون من صحن
وثلاثة أروقة، ثم جامع الحاكم الذي خُطط على هيئة صحن وأربع ظلات أكبرها ظلة
القبلة، هذا بخلاف التخطيطات الأخرى التي ظهرت في جامع الأقمر والصالح طلائع
والمشاهد.
كذلك شاع في طراز العمائر الفاطمية
الدينية والحربية استخدام التغطيات المقببة، مثال ذلك استخدام القباب لأول مرة في مصر على
المحراب والصحون أو في تغطية ظلة القبلة كما هو الحال في جامع الأقمر.
كذلك شاع في طرز العمائر الفاطمية
ظاهرة تعدد
المحاريب، سواء المسطحة منها ،كما هو الحال في جامع ابن طولون أو المجوفة التي من
أمثلتها مشهد السيدة رقية بالقاهرة، إلا أن
المحاريب الفاطمية شهدت تطورًا كبيرًا في محراب جامع الجيوشي بالقاهرة.
كما شاع في طراز العمائر الفاطمية
استخدام المقرنصات (حليات معمارية تزين بواطن العقود
أو واجهاتها) بأشكال متطورة وأصبحت التركيبات المقرنصة أكثر تعقيدًا.
كذلك احتفظ المعمار الفاطمي بنمط
مميز في المآذن تشهد على ذلك أمثلتها في جامع الحاكم والجيوشي، حيث ظهرت بهما لأول
مرة في تاريخ العمارة الإسلامية الأفاريز المزدوجة من المقرنصات التي تدور حول الطابق الأول من بناء المئذنة ومن أمثلتها مئذنة الجيوشي.
الطراز المغربي الأندلسي.
اعتاد الباحثون دراسة المغرب والأندلس
ضمن إطار فني واحد؛ نظرًا للعوامل التاريخية والجغرافية والسياسية التي تؤلف
بينهما، إلى جانب الصلات الفنية المتبادلة بينهما، مما ساعد على طبع عمائر هذا
الطراز بسمات فنية متشابهة إلى حد كبير على الرغم من وجود فن مغربي اصطلح على
تسميته الفن
القيرواني. إلا أنَّ غلبة
العناصر المعمارية والفنية بين المغرب والأندلس والوحدة السياسية التي ربطت بينهما
هي التي أوعزت لعلماء الآثار والفن بالربط بينهما فنيًا.
وقد بدأت مراحل الزعامة الفنية في
المغرب والأندلس في عصر الدولة الأموية الغربية، ثمّ انتقلت إلى مراكش منذ ضم بلاد
الأندلس إلى سلطانهم سنة 483هـ،1090م، فكان ذلك إيذانًا بتغيير في ميدان الفنون
الإسلامية في المغرب، إذ أفل نجم الطراز الأموي المغربي، وبدأت تظهر في الأفق سمات
فنية معمارية جديدة حملها معه العصر المرابطي والموحدي، تتمثل في بداية أمرها
بالتقشف والبساطة والبعد عن الزخم الزخرفي ومظاهر الترف. ولكن سرعان ما تغير الحال
وبدأ المغرب والأندلس في ظل عصر الموحدين عهدًا فنيًا جديدًا في القرن السادس
الهجري الثاني عشر الميلادي.
ومن الجدير بالذكر أن الطراز المغربي
لم يتأثر بغيره من الطرز الإسلامية تأثرًا كبيرًا وأن تطوره كان بطيئًا بالنسبة
إلى تطور سائر الطرز الإسلامية. وكانت أهم المراكز الفنية لهذا الطراز أشبيليا
وغرناطة ومراكش وفاس.
أما العمائر الدينية فقد كانت متأثرة
بما كان متبعًا في الطراز المغربي الأندلسي، في القرون الثلاثة الأولى، في الفسطاط
والكوفة والبصرة والشام في تخطيطات المساجد إلى أن جاء القرن السادس الهجري،
الثاني عشر الميلادي، حيث بدأ يظهر تطور كبير في عمارة المسجد على أيدي الموحدين؛
فانصرف معمار تلك الفترة عن استعمال الأعمدة وأقبل على استعمال الأكتاف والدعائم
المشيدة من الآجر والعقود الحذوية الشكل التي نُفِّذت على هيئة حذوة الفرس مستديرة
تمامًا أو مدببة قليلاً. وكانت معظم تلك العقود تبنى منخفضة مما كان يكسب ظلات
المسجد طابعًا من الجلال. ومن أمثلة ذلك عقود جامع الكُتُبِيَّة بمراكش وعقود جامع
تينملل في جنوب المغرب. كذلك اتسمت مساجد تلك الفترة بتعدد الصحون. ومن أمثلة ذلك
جامع حسان بالرباط وجامع القصبة بمراكش وجامع القصبة بأشبيليا. كذلك شاع في عمارة
المسجد أسلوب اتساع البلاطة الوسطى عن سائر بلاطات المسجد، واستخدام التغطيات
الجمالونية والمداخل البارزة والقباب المقرنصة (ذات الحليات المعمارية) التي تغطي
مجال المحراب بظلة القبلة، إلى جانب ظاهرة تشجير الصحون التي تميزت بها المساجد
الأندلسية والمغربية على السواء.
وأهم ما يميز مساجد تلك الفترة على
الإطلاق عمارة الصوامع التي وصلت إلى قمة تطورها على يد
الموحدين؛ حيث أخذت هيئة الصومعة تشبه البرج الضخم. ومن الداخل خُططت الصوامع
المغربية والأندلسية من مجموعة حجرات متطابقة يلتف حولها طريق صاعد بدون درج. ومن
الخارج تُغلَّف واجهات الصوامع بالفتحات المعقودة (المقوسة) والزخارف الشبكية
(أشرطة متقاطعة تكوِّن مناطق هندسية على شكل مُعيَّنات). ومن أشهر نماذج هذا
الطراز صومعة جامع الكُتُبِيَّة بمراكش وصومعة جامع حسان بالرباط وصومعة جامع
القصبة بأشبيليا المعروفة باسم الخيرالدة. كذلك
أُدخل الموحدون بناء المدارس في المغرب والأندلس في نهاية القرن السادس الهجري،
الثاني عشر الميلادي، ولكن المدارس هناك كانت وقفًا على التدريس فقط، ولم تؤثر
عمارتها على تصميم المساجد. واشتهرت مدينة فاس في العصر المريني بكثرة ما شُيِّد
فيها من المدارس التي كانت مخصصة لتدريس المذهب المالكي. ومن أشهر المدارس
المغربية المدرسة
اليعقوبية، وتُعرف بمدرسة الصفارين أو النحاسين (675هـ، 1276م)، ومدرسة فاس
الجديدة المعروفة بمدرسة دار
المخزن (721هـ،
1320م)، ومدرسة الصهريج (722هـ، 1321م)، ومدرسة العطارين والمدرسة البوعنانية
(723هـ، 1323م). وتميزت المدارس المغربية بوضوح عناصرها المعمارية المتمثلة في
بساطة تخطيطها المعماري بجانب اشتمالها على كافة العناصر الأساسية التي تتألف منها
المدرسة بشكل عام مثل تخصيص إيوان أو قاعة للتدريس والصلاة إلى جانب حجرات لإقامة
الطلاب وملاحق مائية من صهاريج ومظاهر وغيرها.
ومن أهم المميزات التي كانت تميز
المدارس المغربية أنها لم تكن مخصصة لتكون مدارس وقبورًا في الوقت نفسه كما هو
الحال في مدارس الشرق الإسلامي. كما استخدمت الأحجار والآجر في الواجهات والجدران
والحجرات، إلى جانب مراعاة التماثل بشكل رئيسي في توزيع الكتل والعناصر المعمارية
داخل المدرسة وخاصة بين الكتل المتقابلة. وكذلك انتشرت في بلاد المغرب القباب
الضريحية على قبور الأولياء، ومن أشهر أنواع هذه العمائر ما يوجد في مقابر المدن
أو على مقربة من أبوابها. وهي تتألف من قبة نصف كروية تعتمد على مخطط مربع الشكل،
ومن أشهر الأضرحة المغربية ضريح مولاي إدريس بفاس وضريح الأشراف السعديين بمراكش.
وقد تلاشت أو اندثرت قبور ملوك غرناطة.
أما العمائر المدنية، فقد كان نصيبها من العناية قليلاً وبخاصة في عصر
المرابطين. كذلك انصرفت عناية الموحدين إلى العمائر الدينية على الرغم من أسماء
القصور الكثيرة التي وصلتنا عن عصرهم في كتب المؤرخين وبخاصة ما شيِّد منها في مراكش وأشبيليا.
ولكن من أهم وأعظم القصور التي
وصلتنا أسماؤها قصور ملوك الأندلس في غرناطة والجعفارية في سرقسطة. ويُعدُّ قصر
الحمراء بغرناطة من أعظم العمائر الإسلامية التي خلَّفها المسلمون هناك. وقد جمعت
عمارة هذا القصر بين التحصينات الدفاعية ممثلة في أسوارها وأبراجها الخارجية وبين
روعة القاعات والصحون والعقود المقرنصة وأشغال الجص الفريدة والقباب المرصعة
بالمقرنصات وهندسة البساتين.