العوامل المؤثرة في
العوامل المؤثرة في تشكيل الذوق
هناك فئة ليست قليلة من عامة الناس يحصرون استمتاعهم بالفن في نطاق المستوى الفطري للإدراك 00 وهذا يجوز أحيانا إذ كانت الأعمال الفنية التي يتذوقها المتلقي ليست على درجة عالية من التعقيد الشكلي والوجداني ، ولا تتطلب مستوى عال من الخبرة التذوقية حتى يدرك بناءها الشكلي ويتوصل إلى مغزاها الجمالي ، فهناك مجتمعات بدائية تنتج أشياء يستخدمها أفرادها في العمل وفي المسكن والمأكل ، وهي في نفس الوقت على درجة من التناسق الجمالي وتجمع بين قيمتها المادية والمعنوية 0 وتتمتع هذه المنتجات بقدر من الحيوية والقدرة على التأثير بمرآها الظاهري رغم بساطتها من نواحي تركيبها الشكلي ومضمونها الرمزي وأبعادها الخيالية بحيث انه عندما يتأمل تلك الأعمال يتعثر على حبه للجمال وعلى نهجها الفطري الأصيل 0
غير انه في المجتمعات الثقافية الأكثر تطوراٌ في مدنيتها وفي أسلوب معيشتها ، تظهر فيها أنواعاٌ من الفن تتضمن تعقيداٌ في النواحي الشكلية والرمزية ويستخدم الفنان في تنفيذها طرقا أدائية مختلفة وفي هذه الحالة لا يكفي المستوى الفطري للتذوق ، كي يستطيع المتلقي أن يتذوق العمل وإدراك ما فيه من قيم شكلية ووجدانية وجمالية وبالتالي يحتاج الأمر إعداداٌ خاصاٌ للمتلقي من خلال برامج تعمل على تنمية قدراته على التذوق 0 وما يرفع من مستوى ذوق المتلقي للعمل الفني هو :
أولا : العمل على توسيع مجال خبرته البصرية والمعرفية حول الفن وأساليبه وطرق أدائه وخصائص العناصر التي تشكل مادته والخطوط والملامس والفراغات 0
ثانيا : تعميق مستوى ادراكه بالنواحي الجمالية ومعنى الفن والإبداع
ثالثا : تنمية قدرته على التحليل والتفضيل بين المذاهب والأساليب والأنماط الفنية المختلفة من ناحية الجيد والردئ في مجال الإبداع الفني من ناحية أخرى 0 ومن هنا نجد ان المتذوق الذي سوف يعزز خبرته بمستوى راق فيمثل تلك النواحي يستطيع ان يدرك في أي تجربة في مجال التذوق الفني أشياء لا يدركها غيره 0
ومن المبادئ الأساسية التي ينبغي ان نتوقف عندها الآن ، هو ان الفن يمثل ظاهرة مركبة فله مذاهب وأساليب ومدارس عديدة ومن هنا يستوجب الأمر تقبل ذلك على أنه من طبيعته كنشاط إنساني 0 حينئذ سيقبل المتذوق على أي عمل فني مهما كان مذهبه ،بتسامح عادل وسيستمتع بجماليته دون تعصب يصيب تجربته بضيق الأفق 0 ومن ممارسة عملية التذوق من خلال زيارة المتاحف والمعارض وبالانفتاح على أعمال الفن في أماكنها وإتاحة الفرصة في حوزتها لعمل المشاعر مع الوجدان والخيال ، في وحدة من أجل التوصل إلى القيمة الشكلية الجمالية للعمل والكشف عن الأبعاد الوجدانية والخيالية فيه
أما عن المستوى المعرفي في الخبرة التذوقية فيتوقف على تعزيز الخبرة بالمعرفة حول تاريخ أنماط الفن وأساليبه وتقنياته المختلفة 0 وكلما تنوعت حصيلة المتذوق المعرفية حول الفن تعمقت خبرته وكفلت له القدرة على الانتقال إلى مستويات أرقى في مجال التذوق الفني 0
ولا ننكر هنا أثر البيئة الاجتماعية والثقافية في تشكيل الذوق ، فلكل مجتمع ذوق عام وتفضيلات معينة تتشكل تبعا لعاداته وتقاليده وعقائده ومستوى معرفته ومستوى النمو التذوقي يحكمه مستوى النمو الثقافي من حيث البساطة والتعقيد 0
وفي الغالب فإن الذوق ينتمي إلى طبقة اجتماعية معينة فهناك ذوق خاص بأهالي الريف وآخر بأهالي المدينة ، وهناك ذوق خاص بالطبقة الارستقراطية وآخر خاص بطبقة المثقفين 0 وهكذا فالإنسان منذ نعومة أظافره يتدرب على ان يستجيب بحواسه إلى الأشياء التي يحبها فيقدم عليها وينفر مما يكرهه فيحجم عنه 0
وأما في العصر الحديث ومع انتشار المجتمعات الصناعية ذابت إلى حد كبير التميزات بين أذواق الطبقات المختلفة وذلك نتيجة للمواصلات واستخدام الوسائل الحديثة وفي انتقال الثقافات من مكان إلى آخر بسهولة ودقة 0
واليوم قد أصبح الذوق العام في المجتمعات الحديثة خليط بين ما هو محلي وما هو مجلوب من الخارج 0 وقد وجدنا فنانين حديثين يمثلون مجتمعات معينة ويحملون ثقافات وطنية غير انهم قد طوروا أحضان ثقافات اخري