العولمة اللغوية
العولمة اللغوية
نسمع كثيراً عن العولمة السياسية والاقتصادية، ولكننا لم نسمع من قبل عن العولمة اللغوية! لقد تناول أحد الأبحاث خطورة العولمة اللغوية، فيذكر الباحث أنه لم يقف على دراسة، سواء كانت مستقلة أو غير مستقلة تتناول عولمة اللغة.
فهل هناك عولمة لغوية؟ وماذا نقصد بالعولمة اللغوية؟
إن مدلول العولمة يعني جعل ماهو محلي عالميًا، فهل هناك لغة انتقلت من المحلية إلى العالمية، فتجاوزت نطاقاً جغرافياً محصورًا ببلد أو بلدان؛ لتصبح لغة عالمية يتحدث بها العالم كله على اختلاف لغاته الأصلية؟ لاشك أن الجواب الواضح هو الإيجاب، ولاشك أن اللغة الوحيدة التي يصدق عليها هذا الوصف هي اللغة الإنجليزية.
ونتيجة إلى هذا الغزو من قبل اللغة الإنجليزية، وما يحمله انتشارها من نشر قيم الثقافة الأمريكية، والقيم الاستهلاكية التي لاتتناسب مع قيم بعض الأمم التي تعتبر نفسها عريقة مثل الألمان، والفرنسيين- دون العرب للأسف- قامت هذه الدول باتخاذ إجراءات، وسن قوانين للحد من هذا الغزو.
فرنسا مثلاً - وهي صديق لدود لأمريكا- يدعو رئيسها جاك شيراك إلى إقامة «تحالف» بين الدول التي تعتمد لغات من أصل لاتيني؛ للتصدي بشكل أفضل لهيمنة اللغة الإنجليزية، وذلك لدى افتتاحه منتدى حول موضوع: «تحديات العولمة». وقال الرئيس الفرنسي لدى افتتاحه منتدى في جامعة السوربون جمع بين الناطقين بالفرنسية والإسبانية والبرتغالية: "إنه في مواجهة قوة نظام مهيمن، يحق للآخرين حشد القوى لإرساء المساواة في الفرص وسماع أصواتهم". ودعا شيراك الناطقين بالإيطالية من الاتحاد اللاتيني إلى الانضمام إلى منظمة الفرانكفونية، ومجموعة الدول الناطقة بالبرتغالية، والمنظمتين الناطقتين بالإسبانية للدول الأمريكية ـ الأيبيرية والقمة الأيبيرية ـ الأمريكية. وأضاف أنه: "من خلال منظماتنا الخمس، تصبح هناك 79 دولة وحكومة من كل القارات تمثل 2.1 مليار رجل وامرأة يريدون الإبقاء على لغاتهم". ودعا شيراك إلى القيام بتحرك في الأمم المتحدة بالاتفاق بين المنظمات الخمس لإقامة «مشاريع مشتركة». ودافع شيراك عن مبدأ «تعددية اللغات في المجتمع الدولي»، ودعا شركاءه إلى «الاستثمار بقوة في شبكات المعلومات» مقترحاً إنشاء موقع للثقافات اللاتينية على شبكة المعلومات (الإنترنت). وأعرب أخيراً عن أمله في أن تعترف منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) رسمياً بـ «حق التعددية الثقافية» من خلال إصدار «إعلان عالمي يكون بمثابة ميثاق تأسيسي».
وهكذا نجد أمة أخرى مثل الصين ينتابها القلق من هذا الانتشار الواسع ـ أو العولمة ـ للغة الإنجليزية في بلادهم من خلال الأفلام الأمريكية، التي يحرص الشباب على متابعتها ثم التأثر بها؛ مما دفع الحكومة الصينية إلى إصدار أول قانون للغة من أجل الوقوف أمام الخطر الذي يتهدد اللغة الصينية، ويلزم القانون الذي بدأ العمل به اعتباراً من مطلع شهر يناير 2001م وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة بضرورة الالتزام بالأسس المتعارف عليها في اللغة الصينية المعتمدة على الكتابة المبسطة في الصين الأم بعيداً،عن الكتابة المعقدة المتبعة في المستعمرة البريطانية السابقة (هونغ كونغ). أما الألمان - وهم من أكثر الناس اعتزازاً بلغتهم- فقد كان لهم نصيب من هذا القلق المتزايد؛ حيث اتسع في ألمانيا نطاق المناداة بسن قوانين لحماية اللغة الألمانية من تأثير اللغات الأخرى، وعلى رأسها اللغة الإنجليزية، التي يعتقد اللغويون الألمان أن مصطلحاتها بدأت تشكل خطورة على سلامة لغتهم. ويرغبون أن تحذو ألمانيا حذو فرنسا في هذا المجال. فالألمان الذين هدموا قبل عقد مضى جدار برلين الشهير، في ثورة سلمية أعادت الوحدة إلى شطري بلدهم، يحاولون الآن بناء جدار حديدي من نوع آخر؛ للحفاظ على هويتهم الثقافية واللغوية من طغيان الغزو الثقافي واللغوي القادم من الولايات المتحدة وبريطانيا، متخفياً برداء اللغة الإنجليزية، والمصطلحات التي تقض مضاجع اللغويين الألمان. ويطالب هؤلاء بأن تحذو بلادهم حذو فرنسا بسن تشريعات تمنع استخدام المصطلحات الأجنبية في الإعلانات والوسائل الإعلامية. ويعترف وزير الثقافة الألماني بوجود المشكلة، لكنه يرفض فكرة سن قوانين قد تؤدي إلى استحداث شرطة للغة؛ لأن هذا سيكون فيه نوع من القسوة غير المسوغة. ويتفق مع رأي الوزير عدد من اللغويين الألمان، غير أنهم يؤكدون ضرورة اتخاذ إجراء ما لحماية اللغة التي يعتبرونها أغلى ما تملكه أي أمة للحفاظ على وجودها.
المصدر:البيان - دراسة لهيثم بن جواد حداد - بعنوان: (العولمة اللغوية)
للاطلاع على الدراسة كاملة انقرهنا: