العولمة وعملية الانتقال من التعليم الكلاسيكي إلى التعليم الإلكتر
العولمة وعملية الانتقال من التعليم الكلاسيكي إلى التعليم الإلكتروني: خصائص ومستلزمات
مع ديناميكية العولمة الاتصالية- المعلوماتية- الإعلامية، بدأت عملية الانتقال الصعبة والمشوقة من التعليم الكلاسيكي إلى التعليم الإلكتروني مما يقتضي التعرف على خصائصها ومستلزماتها.
ففي ظل هذه الديناميكية تتجه مؤسسات التربية والتعليم إلى بناء نماذج غير مألوفة في المجتمعات الصناعية من حيث الهيكلة والتنظيم والإدارة والتمويل والتسويق والتسيير والتدريس، فنحن بصدد بداية نهاية الجامعة التقليدية بمدرجها الخرساني وقاعات دروسها المغلقة وأساتذتها الآدميين لحما وعظما، وتخصصاتها المجزأة المغلقة على نفسها، وإداراتها المنكفئة على وطنياتها الضيقة، وماليتها الحكومية الوحيدة المصدر، ومقرراتها ومناهجها غير التفاعلية، المقتصرة على الأسانيد المكتوبة وبعض الأجهزة الإيضاحية التقليدية البسيطة كالسبورة والطلاسة و الطبشور...الخ.
إن هذا النمط من الجامعات يشهد منافسة نمط يندرج ضمن المنظومات التربوية التعليمية الافتراضية المتكاملة يسمى: الجامعة المتفاعلة مع عصر المعلومات ومنها الجامعة الافتراضية أو الإلكترونية أو السيبرية، جامعة عصر المعلومات تنمو مع نمو وتجديد تكنولوجيات الاتصال والمعلوماتية والإعلام كسوق وتقنية وقوة ونوعية وتميز في الأداء وتفاعل مع العالم – القرية اتصاليا من خلال تكنولوجيات التعليم والإعلام عتادا وبرمجيات واتصالات كـ:السبورة الإلكترونية و شبكات الإنترانت والإنترنت التي تتيح عبر "الروبوت المعرفي أو البرمجي/soft bot" مثل محركات البحث: "ياهو وقوقل وروبوتات الأرشفة"، مجموعة غير محدودة متجددة المضامين من المعاجم والموسوعات الإلكترونية والمكتبات الرقمية بقواعد البيانات والمعطيات والإحصائات والخرائط والوثائق ومواقع مختلف الهيئات والمنظمات الحكومية وغير الحكومية عبر العالم كله، إضافة على الإفادة من حلقات النقاش وخدمات البريد الإلكتروني وإمكان عقد المؤتمرات عن بعد، وإلقاء المحاضرات بالأجهزة السمعية والمحاضرة بالفيديو بالجهاز العاكس للرائح وجهاز الداتاشو/"Data show" والإذاعة التعليمية والقناة التلفزيونية التعليمية الجامعية المتخصصة التفاعلية المفتوحة المجانية والمدفوعة المشفرة والبرامج المعلوماتية الجديدة التي تمنح المتعلم والمدرس فرصة التعرف على المواد التعليمية من خلال الكتابة والنص الفائق التفاعلي الدينامي التشعبي المرن hypertext/، والواقع الخائلي أو الافتراضي والباحث الافتراضي الرقمي والأقراص المدمجة والأقراص المسجلة المتنقلة Flash Disk/"the Removable "، وغيرها من الوسائط الالكترونية متعددة الاستخدام.
وبذلك وجدت الهياكل والنظم والسياسات التعليمية -ومنها الجامعية- نفسها تتحول جذريا سواء من حيث تغير نمط البنايات الخراسانية أو من حيث شكل ووظائف القاعات والإدارات والهيئات التعليمية والطلبة والدروس والمحاضرات ببساطة تغير هيكل العلاقات من أعلى إلى أسفل، من الداخل ومن الخارج من العمق إلى السطح من الشكل إلى المحتوى، مما أدى تدريجيا إلى اختفاء العديد من الوسطاء والوظائف والأنشطة وظهور أخرى جديدة تستعين بالفضاء السيبري.
فمثلا في الولايات المتحدة، افتتحت جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلس (UCLA) وهي تعتبر مدرسة مفتوحة عبر الإنترنت، تعمل بالاتفاق مع الشبكة المحلية للتربية " Home Eucation Network "، وأصبحت تقدم أزيد من خمسين مادة تعليمية عبر الويب تصل إلى عشرات الآلاف من الطلبة عبر أزيد من أربع وأربعين 44 ولاية أمريكيةوأزيد من ثماني 8 دول.
وفي الولايات المتحدة نفسها، ومنذ سنة 1997م عمدت أزيد من 55% من 2215 معهدا وجامعة إلى تقديم خدمات تعليمية عن بعد. فأصبح أزيد من مليون طالب مرتبط بدروسها الإلكترونية ويبدو أن عددهم تضاعف بثلاثة إلى خمسة أضعاف خلال السنوات التالية. وقد تضمنت مجلة "فوربس Forbes " في عددها لشهر جوان 1997م، قائمة تضم 20 جامعة سيبرية تقدم خدمات تعليمية مشفوعة بشهادات معترف بها (18)
إن التعميم الجاري لهذا النمط من المؤسسات التعليمية المتفاعلة مع تكنولوجيات المعلومات والاتصال بصدد تحديد اتجاهات مستقبلية جديدة للمنظومات التعليمية من خلال:
- الفرص المتزايدة للتعلم التفاعلي عن بعد.
- إمكانات التعلم والتدريب والتكوين والتأهيل مدى الحياة للجميع.
- اكتساب ملكات ومهارات التعلم الذاتي التوجيه.
- اقتناص فرص التعلم دون التقيد بمكان و زمان (19).
- إمكان الخضوع لتقييم المخرجات التعليمية بوسائط آلية سريعة وشفافة عبر الحواسيب الشبكية ذات النظم الاتصالية الآمنة.
- إتاحة برامج تعليمية تدريبية معتمدة حسب الطلب والحاجة الفردية والجماعية: التعليم التعاوني، التعليم داخل الشركات والتوأمة والإدارات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني.
- إعادة تشكيل الأنظمة وتنويع الهياكل: التغيير في الانضباط الأكاديمي والاستخدام المتزايد للوسائط الإلكترونية في التعليم والإدارة التعليمية.
- تكييف الحجم الساعي التدريسي، والبحثي بحيث يتحمل الطلاب مسؤوليات أكبر في عملية التعلم والبحث.
- سرعة الاستجابة التعليمية، برامج ووسائل وهيئات تدريس، لمواجهة احتياجات الزبائن والأسواق المتنوعةوالمتزايدة ومنها سوق العمل المتحولة باستمرار.
- تخفيف إجراءات البيروقراطية المركزية الحكومية في تسيير الهياكل التعليمية الجامعية وإتاحة المزيد من المشاركة والتفاعل بين الشركات وجمعيات المجتمع المدني والإدارة والهيئات التعليمية، من خلال الإدارة اللامركزية واحترام الحرية الأكاديمية والاستقلال المؤسسي خاصة في مؤسسات التعليم العالي.
ورغم أن الندوات والمؤتمرات الدولية حول التعليم والتربية في عصر المعلومات أكدت أن التكنولوجيات المتجددة للمعلومات ليست بالضرورة هي العلاج لكل المشكلات، وأنها تتضمن بعض المخاطر السلوكية والعملية والاجتماعية، إلا أن المتفق حوله أن تلك التكنولوجيات ترفع كفاءة وفعالية أداء المنظومات التربوية، إن عمم وأحسن استخدامها من قبل أسرة التعليم.
وبذلك توضع التكنولوجيات الجديدة للمعلومات والاتصال في خدمة عملية التعليم وتقدم البحث العلمي، وتساهم في إدارة أكثر فعالية لأنظمة التعليم بكل مستوياته، على أمل الوصول إلى نوعية أكبر للتعليم وللتقييم الداخلي والخارجي لطرق التدريس والبحث العلمي مع إتاحة أكبر للتطبيق وملاءمة أكثر لإيجاد حلول للمشكلات الاجتماعية وتحقيق التنمية المستدامة.
ومن هنا تبرز أهمية تركيز نتائج تلك الندوات البحثية الدولية حول التعليم على البعد الأخلاقي والتربوي والإنساني للمؤسسات التعليمية في ظل عصر المعلومات، مخافة التمحور حول التكنولوجيا، ومنه التركيز على قيم الخصوصيات الثقافية ومراعاة الأوضاع الاجتماعية والتجارب التاريخية لكل أمة ودولة عند وضع الفلسفات والسياسات والبرامج والمناهج التعليمية من دون الإخلال بمعايير الجودة الشاملة.
ولا يمكن تحقيق الإفادة القصوى والمتوازنة من تلك التكنولوجيات التعليمية ما لم يتم تكييف سياسات إدارة الموارد البشرية التعليمية وبالذات الجامعية من خلال اعتماد معايير الحكم الراشد والدمقرطة والاستقلالية والخضوع للمساءلة وإدارة استراتيجيات التغيير وإدارة الجودة الشاملة ورفع القدرة التنافسية وتبنى الرؤية المعرفية متعدد الاختصاصات واكتساب المرونة وسلاسة التفاعل: بين الإنسان و الآلة والتعاون بين الجامعات عبر ما يسمى بـ "سلسلة الابتكار" وغرس روح المخاطرة التنظيمية لدى الإدارات الجامعية والخريجين والتطوير المستمر... الخ (20).