الفن والمجتمع
الفن والمجتمع
أن صلة الفن بالمجتمع مازالت تترامى لأذهاننا كفكرة عامة ، كهدف منشود كامل نرجو أن يتحقق حيث أن الفن هو أبن الحياة وهو رفيق الإنسان منذ أن وجد على الأرض ، والفن كالعمل والفكر وكلها مميزات ضرورية من الضروريات اللازمة لحياة الإنسان وبغيرها لا يكون الإنسان إنسان وبهذا فنجد الإنسان الأول البدائي كان يواجه دنياه المملوءة بالمخاوف الغامضة المجهولة ، كان يواجهها بالفن والسحر قبل أن يواجهها بالعلم أو بالقياس الدقيق أو بالتجربة المضبوطة وأقدم آثار الإنسان إنما هي من أعمال الفن 0والفن أصيل وراسخ لأنه ينبع من النفس البشرية من الأرض من المعتقدات الخاصة والتاريخ. فالفن هو العنصر اللازم لإتمام الاندماج بين الفرد والمجتمع فهو يمثل قدرة الإنسان غير المحدودة على الالتقاء بالآخرين وعلى تبادل الرأي والخبرة والتجربة معهم ، فالفن ليس بالشيء الثابت الجامد وإنما وظيفة الفن تتغير مع تغير العالم الذي نعيش فيه 0 إن عصرنا يختلف كثيرا عما قبله من العصور وهذا الاختلاف من شأنه أن يؤثر على كل شيء في الحياة وبخاصة في الفن التشكيلي بفروعه المختلفة التصويرية والتطبيقية 0 فالعصر الحديث يعتبر عصر علمي وأصبح لا يسلم بكثير من الحقائق إلا إذا جازت الاختبار وصدقتها البراهين وصارت من القضايا المسلمة التي يؤمن بها سائر البشر مهما اختلفت مشاربهم ولغاتهم وديانتهم وجنسياتهم 0 وأصبح من سمات العصر ذلك التصارع الغريب في تطبيق مداخل البحث العلمي في كل شيء ، في الأسلحة الفتاكة التي يسيطر عليها البشر على بعضهم البعض ومن له الغلبة ومن له السيطرة وفرض منطقه على سير الحوادث وعلى أخلاقيات الناس وعقائدهم ووجدانه ولا يكتفي الإنسان أن يكون فردا منعزلا عن الناس ، لذا فهو دائما يطمح في أن يجعل فرديته اجتماعية ، من اجل أن يخرج من حدود جزيئه ليصل إلي الكلية الشاملة للعالم المحيط فتتحول فرديته إلي فردية اجتماعية وهكذا يصبح من شان الفن أن يحقق للإنسان تكامله ويعيد الوحدة بين الفرد والجماعة لان الفن الذي يشكل وعي الإنسان هو أداة لإدماج الفرد بالمجموع ومنذ العهود البدائية نشا الفن وتطور كإنتاج جمعي بالدرجة الأولي وكنشاط إنساني وليد عصره ويعكس الأفكار والمشاعر السائدة بل وحاجات الإنسان وأماله في فترة تاريخية معينة . ولقد كان للفن في عصوره الأولي وظيفة نفعية لأنه يلبي حاجات اجتماعية ( مادية ومعنوية ) فهو من جانب يمثل أداة للعيش والعمل ، كما يستخدم في تأدية الطقوس الخاصة بتقديس عبادة الأجداد أو طرد الأرواح الشريرة . وهكذا كشف الفن عن محتواه الاجتماعي باعتباره عمليا ولا ينعزل عن المجتمع .ورغم أن لغة التعبير قد اتخذت شكلا رمزيا يبدو لنا اليوم غريبا وغامضا , آلا أنها وقتذاك كانت واضحة لجميع أفراد المجتمع . و قد أثار النقاد في فترة من الفترات قضية هامة آلا وهي هل الفن للفن أم للمجتمع ، وأنصار الفن ذاته يعتمدون في حوارهم علي قدسيته وأصوله التقنية ومقوماته الخاصة وهم يدركون أن الفن اسبق من المجتمع ويرون أن الجمهور لا يحمل من الثقافة الفنية القدر الذي يجعل منه ناقدا أو حاكما علي الفن ويخشون انحطاط الفن لو ساير أراء الدهماء واستجاب لمطالبهم الفجة ويغالي أصحاب هذه النظرة إلي الدرجة التي تنتهي إلي الصومعة وهم بذلك ينفصلون تدريجيا عن المجتمع . والرأي الأخر يناقض فكرة الفن للفن وأصحابه ينادون بان الفن بلا جمهور لا يستطيع أن يعيش ويتساءلون : مع من سيتجاوبون ؟ومن سيؤدي رسالته ؟ ويقولون أن الفن بدون جمهور وهم ويصبح لغة بلا تداول وأشكالا بلا تأثير . والفنان في اعتقادهم واحد من أفراد المجتمع لابد أن يعيش ماسيه وأفراحه وأحزانه ويحس بكل نبض يعيش فيه المجتمع ولكونه فنانا وهبه الله احدي أدوات التعبير فهو لذلك اقدر من غيره ليجسد هذه الآلام او الأفراح . وفي الواقع أن للفن أهمية كبري بالنسبة للمجتمع فقد يكون ذا تأثير بالغ في الحياة النفسية لأفراد المجتمع اذ انه يخلق روح التضامن عن طريق الإعجاب بالآثار الفنية وشيوع هذا الإعجاب بين الناس وكذلك فان الإعجاب ينبع من المشاركة الوجدانية . والفن ليس نشاطا فلسفيا بحتا ولا علميا خالصا , وإنما الفن بالدرجة الأولي إبداعي فالفنان دائما بحاجة إلي ابتداع أشياء . فالعمل الفني في حقيقته عمل فردي غير أن الفنان لا يضيف إلي تراث مجتمعه شيئا يذكر إذا لم تكن جذوره قد امتدت في أعماق المجتمع . فالفن يتأثر في المجتمع بالأفكار الأخلاقية للعصر و بمستوي الثقافة والذوق والمعتقدات الدينية السائدة بما يترك أثره علي الفنان وبالتالي علي أعماله إضافة إلي العوامل التي تنتمي إلي الفن ذاته ، مثل الأساليب والأنماط الفنية بدلالتها الخاصة من وجهة نظر الفنان . وهكذا يبدو أن الفن يتدخل في حياتنا الاجتماعية ويتغلغل في صميم هذه الحياة بحيث يصبح الفن مبدأ للحياة بل أن مبدأ الفن هو الحياة نفسها ، فالفن مرآة عاكسة لما يدور في المجتمع لكنها مرآة تنتقد وتؤكد وتصفي وتوجه وتصحح مفاسد هذا المجتمع بالقدر الذي نجح فيه الفنان بتوعية المجتمع بمشكلاته .
د/غالية الشناوي