الفنان بول سيزان
الفنان بول سيزان
كان سيزان واحد من الفنانين الطامحين دائما إلى إلى الأمام لاكتشاف مبادئ جديدة في فن التصوير ، ولقد اكتشف سيزان أن أكثر الأشياء صعوبة في العالم هو ان يعطي الفنان تعبيرا مباشرا عن التصورات المرئية ، كما تبين أنه لكي يحقق الفنان التناغم في العمل الفني فإن عليه ألا يعتمد على رؤيته البصرية وإنما على أحاسيسه 0 ولكي نستطيع ان نفهم على وجه خاص ذلك المدى الطويل الذي وصل إليه سيزان فإننا ندركه في ذلك التغير الأساسي الذي حدث في طريقة رؤية الأشياء ، وفي طريقته الإبداعية التي كان يمر بها إحساسه عبر الواقع ، فقد كان إحساسه ( باللون ) يعبر عن انفعالاته الذاتية ليبني أشكالا مجردة ، معنى ذلك انه كلن يبدأ من المحسوس إلى المجرد ، ومن اللون إلى الشكل ، ومعناه أيضا أنه كان يسيطر على أحاسيسه وانفعالاته سيطرة تامة 0 ولكن هذه المرحلة تصبح عديمة الجدوى ما لم يعد منها بشيء ، فالفنان إنما يهدف إلى تمثيل الواقع ، وهنا كان لا مفر من الرجوع إلى الطبيعة حيث تستطيع الأحاسيس والانفعالات بما فيها من أشياء بطابعها الخاص وللتعبير عن الانفعال يجب ان يكون خاضعا لطريقة بناء مثلى.
وكان يقول عليكم أن تعالجوا أشكال الطبيعة على أساس من الأشكال الأسطوانة والكرة والمخروط بما يلاءم أوضاعها المنظورة ، بحيث يتجه كل من أجزاء الشيء أو السطوح نحو مركز محدد ، وأن الخيوط الموازية للأفق لتفصح عن رحابة الطبيعة ، أما الخطوط العمودية على خط الأفق فتعبر عن العمق ، ومن هنا نشأ الإلزام باستعمال عدد كاف من الألوان الزرقاء في التعبير عن النبض الضوئي الذي تمثله الألوان لإعطاء التأثير بالهيئة الجوية 0 ونستطيع الآن أن ندرك على نحو أفضل نوع العلاقة بين " سيزان " وبين الحركة الانطباعية ، فهو كالانطباعيين سواء بسواء من حيث ان التجربة الإبداعية تبدأ بنشوء الإحساس باللون ، ومن ثم يتولد رد فعل للعواطف يسفر عن تمثيل ما بين الأضواء الحمراء والصفراء والظلال الزرقاء من تباين ، وهذا هو منهاج الانطباعية تماما ، ولكن الانطباعيين يفتقدون تلك المرحلة التي تتوسط فترة البناء ولحظة تأمل المثالية الهندسية ، أي في تلك المرحلة التي تجد فيها ذهنية سيزان عناصر أسلوبه ، فيشكل منها هيكلا يعتمد عليه في تنظيم حساسيته ، ويعزي إلى هذا الهيكل قدرته على طبع انفعالات ببساطة الأشكال والتحرر من أثر الطبيعة ، وكان ذلك مجهولا على الفنانين من قبل ، وكان سيزان يستخدم هذا الهيكل المميز بين الفن والطبيعة ، ومن ثم لأطلاق سراح خياله 0
ويلاحظ في أعمال سيزان أن الظل والنور في أعماله أصبح غير معالج بشكل أكاديمي كما يتضح من لوحة المدخن ولوحة " وجه رجل " ويتضح فيهما إحلال التأثيرات اللونية وذلك الأسلوب الذي يطلق عليه " تكوين المزج عن طريق الألوان " حيث صار هذا الأسلوب مجددا بفضل سيزان الذي كشف عن الضوء التصويري باعتبار أنه شيء مختلف عن الضوء الطبيعي وأيضا إلى ترجمة جديدة للأشياء وطريقة رسمها 0
فنجد ان بول سيزان عندما يشرع في عمل هذه اللوحات فإنه يبدأ أولا عمل رسم تخطيطي بالفرشاة وعندما يتم الرسم يبدأ في تلوين مسطحاته 0 وبذلك يكون الشكل العام كلا واجحداٌ غير منفصل وعلى حد تعبيره " عندما تكون الألوان غنية يكون الشكل يعتمد في تركيب لوحاته على تكوين كتل من الألوان لا يشبه في شيء التركيب التشريحي ، حيث أننا لا نجد أي ميل لتوضيح طريقة الاتصال بين الذراع بجسم الرجل ( في الصورة الأولى ) أي أنه يجعل الصلة بين طبقتين لون وحجم ولا تمت إلى التشريح بصلة 0