المرأة والوظيفة
المرأة
والوظيفة
الذين يتحدثون عن المرآة ووظيفتها يعرضون
الأمر على أن المرآة والرجل خصمان؛ كل منهما يتربص بالآخر غفلة لينقض عليه ويسلبه
جزءاً من حقوقه والحق أن الرجل والمرآة متكاملان، فلا يمكن أن تستغني المرأة عن
الرجل ولا يمكن للرجل أن يستغني عن المرأة، ولولا النساء لانتهى المجتمع، ولولا
الرجال لانتهى أيضاً المجتمع، ولن تبقى الحياة ولن تستمر إلا باجتماعهما. ثم إن
وجودهما مختلفين لا يعني عيباً أو نقصاً في أحدهما، أو انحيازاً لأحدهما على حساب
الآخر ولذلك مثال: النهار لو جعله الله سرمداً إلى يوم القيامة لما صلحت الحياة،
ولو جعل الله سبحانه وتعالى الليل سرمداً إلى يوم القيامة لما صلحت الحياة، ولكن
حينما يوجد الليل والنهار ينتظم أمر الناس وتقوم الحياة، ويصبح الليل للراحة
والنهار للعمل، يقول تعالى: {قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمداً إلى يوم
القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون قل أرأيتم إن جعل الله
عليكم النهار سرمداً إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا
تبصرون}. وإذا قررنا مبدأ التكامل بين الرجل والمرأة دون أن ننتقل بعد ذلك
خطوة أخرى نحو ارتباط الوظيفة بالتركيب الجسمي، فالرجال منهم من يصلح للرياضة
ومنهم من لا يصلح لها. ومنهم من يصلح للأعمال الدقيقة جداً كإصلاح الساعات مثلا
ومنهم من لا يصلح، ومع ذلك لا يعيب هذا ولا ذاك، فكل ميسر لما خلق الله وكل
يحسن أموراً لا يحسنها الآخر وذلك لضرورة تكامل المجتمع وقيامه بوظائفه ، والمرأة جزء من هذا المجتمع خلقت لأداء وظيفة
تناسب تركيبها الجسمي وكما لا يعيب الرجل عدم معرفته بعمل معين فكذلك لا يعيب
المرأة أن تكون مبرزة في عمل يناسبها وعدم ملاءمتها لعمل آخر. و يقول القسيس كاويل في كتابه ((الإنسان ذلك
المجهول)) وهو يتحدث عن الفروق بين الرجل والمرأة ((ولقد أدى الجهل بهذه الحقائق
الجوهرية بالمدافعين عن الأنوثة إلى الاعتقاد بأنه يجب أن يتلقى الجنسان تعليماً
واحداً وأن يمنحا قوى واحدة ومسؤوليات متشابهة، والحقيقة أن المرأة تختلف اختلافاً
كبيراً عن الرجل، فكل خلية من خلايا جسمها تحمل طابع جنسها)) إلى أن قال: ((فعلى
النساء أن ينمين أهليتهن تبعاً لطبيعتهن دون أن يحاولن تقليد الذكور، فإن دورهن في
تقدم الحضارة أسمى من دور الرجال فيجب عليهن ألا يتخلين عن وظائفهن المحددة)).
وإذا عرفنا أن الفرق بين الرجل والمراة لا يعني النقص نعود
إلى عمل المرأة الذي أسند إليها ما هو؟ وما هو العمل الذي أسند إلى الرجل؟ الرجل
يتعامل في الحياة إن كان مزارعاً فمع الأرض يزرعها ومع الحيوانات يربيها
ويبيعها مثلاً، وإن كان نجاراً فمع الأخشاب وإن كان حداداً فمع الحديد، وإن كان
تاجراً فهو وسيط يتعامل مع مواد تجارته بين المنتج والمستهلك ، عموماً في غالب أحواله نجده يتعامل مع الأشياء.
أما المرأة في منزلها فهي تتعامل مع ما هو أسمى من ذلك وأرفع، أنها تتعامل
مع الإنسان، إما زوجا يسكن إليها أو وليداً تقوم عليه بالتربية وتخرجه للحياة
ناشئاً صالحاً ، فالمرأة مهمتها
التعامل مع أشرف أجناس الكون وهو الإنسان، والذي أوكل لها هذه المهمة شرفها بذلك
وهل هناك في الوجود أشرف من تخريج هذه الأجيال وهي تقوم بهذه الأعمال تاركة للرجل
السعي يومه مع تلك الأشياء التي يكتسب منها قوت يومه لها وله ولأولادهما والذين
أرادوا أن يخرجوا المرأة من وظيفتها تلك هل أحسنوا إليها؟ إنهم أولاً أنزلوها من
منزلتها الرفيعة فاستبدلت بأبنائها وبناتها دخان المصانع وغبار الطرق وزحام
المكاتب وخشونة المواد وعناء المتاجر، ومع ذلك لم يكن في ذلك تخفيف للمرأة من
وظيفتها الأصلية، فلم يتمكن هؤلاء من إضافة شيء من أعمال المرأة على الرجل فلا
تزال المرأة تقوم بوظائفها، وكل ما فعلته أن استعانت بامرأة أخرى تقوم ببعض
أعمالها في المنزل إذا هي خرجت إلى ميدان الرجال. وهل يرفع الظلم بظلم؟ فما دامت
المرأة ترى أن تربية الأولاد ظلم لها ونقص من حقها فكيف تحضر امرأة لتربية
أبنائها، أليس هذا ظلما منها لتلك المرأة؟ وكيف تطالب بعدل لا تقيمه مع بنات
جنسها؟ لذلك يمكننا أن نقول: إن الإسلام كرم المرأة وخصها بالوظيفة الملائمة
لها. والوظيفة التي اختارها
الإسلام للمرأة هي أسمى الوظيفتين المسندة إلى الجنسين الذكر والأنثى. لكن
قد يقول قائل إن بقاء المرأة في المنزل لتربية الأولاد وتفريغها لهذا العمل
واعتمادها على الغير امتهان لها. وأقول حول هذا : إن الدول المتقدمة فرغت العلماء
والخبراء وأفنت لهم أسباب المعيشة وأغنتهم عن الاكتساب لكي يتجهوا نحو العطاء
العلمي النافع لبلدانهم. والجامعات تفرغ كبار أعضاء هيئة التدريس فيها لإعداد
البحوث العلمية المهمة وتؤمن لهم رواتبهم بل وتدفع لهم تذاكر السفر وتهيئ
لهم وسائل الراحة ليتمكنوا من تقديم البحوث المطلوبة منهم، ولا يعد هذا إلا
تكريماً من الدول لعلمائها ومن الجامعات لأساتذتها وهو كذلك من المجتمع عندما يفرغ
المرأة في منزلها للقيام على الجيل القادم بالتربية والرعاية والتنشئة مع كفالة
الرجل لها بالاكتساب وإغنائها عن البحث عن مصدر الرزق فتفريغها تكريم لها وإدراك
لقيمتها ووظيفتها المتميزة التي أسندت إليها. والله الموفق،،،،،