بعض التجارب العالم
بعض التجارب العالمية في الاعتماد الأكاديمي:
حظي ضمان الجودة والاعتماد باهتمام القائمين على تطوير التعليم العالي حيث أصبحت الجودة إحدى القضايا الشائكة داخل هذه المؤسسات، وتنوعت مجالات تطبيقها سواء عن طريق استخدام المعايير الأكاديمية أو معايير جودة الطالب وتقييمه والمحاسبية العامة، والمراجعة الأكاديمية، واعتماد البرامج التعليمية المقدمة للطلاب، والتقييم الذاتي،ومن هنا دعت الحاجة إلى عرض بعض النماذج العالمية لاعتماد وضمان جودة التعليم العالي بغرض الاستفادة منها في تطوير التعليم العالي في الدول العربية.
ضمان الجودة والاعتماد في أمريكا: (29).
انطلق التعليم العالي في الولايات المتحدة كقطاع خاص (وليس عمومياً) قبل أكثر من قرن من إنشاء البلد نفسه، ولم يكن هناك أي بند أو نص قانوني في الدستور الأمريكي يشير إلى المراقبة المركزية للتعليم، وخلال القرنين الماضيين كان التركيز ينصب على المعرفة الشخصية للطلاب أو المتكفلين بهم وهي السبيل لتقييم مقدرتهم على النجاح في مختلف الجامعات، ومع نهاية القرن التاسع عشر تضاعف عدد مؤسسات التعليم العالي مما ساهم في قيام مستشاري القبول والتسجيل في الجامعات والمدارس بتشكيل اتحاد لتحديد إذا كانت مدرسة معينة قد أهلت طلابها تأهيلاً جيداً لولوج الجامعة، وحتى عام 1929 تغيرت العضوية فيها من الأشخاص إلى المؤسسات كما هي حالياً وظهر مصطلح "مؤسسة معترف بها".
وتعد سنة 1952 سنة تاريخية بالنسبة للاعتراف في أمريكا، فبعد الحرب العالمية الثانية وضعت الولايات المتحدة قانون الحقوق الذي يدفع عوضاً عن رسوم الدراسة بالجامعة علاوة على راتب للمعيشة، ولم يبعث هذا القرار مشاعر الفرح لدى الطلاب الذي رأوا فيه صفقه جيدة للمستثمرين اللذين أدركوا أنهم من خلال تأسيسهم "للجامعة" ستدفع لهم الحكومة المصاريف لقبول الطلاب فيها، وبالتالي كان لزاماً على الحكومة عمل شيء ما لضمان جودة التعليم في تلك المؤسسات التي تدفع لها بالأموال.
وبما أن هيئات الاعتماد الأكاديمي كانت موجودة في ذلك الوقت، فقد صدر قرار في سنة 1952 ينص على أن المؤسسات المعترف من هيئات معتمدة من قبل الحكومة الفيدرالية هي الوحيدة التي ستتلقى التمويل الفيدرالي، وهكذا بدأت عملية اعتماد هيئات الاعتماد الأكاديمي وقد أدى هذا القرار إلى التقليل بصفة كبيرة من حجم عمل دائرة التربية والتعليم، ولكنه أمضى في مقابل بعض الاتحادات التي تعتمد الاعتماد الأكاديمي للبرامج الكبرى، خصوصاً هيئة الاعتماد الأكاديمي لإدارة الأعمال (AACSB) وكانت الجهات المسئولة عن الاعتماد الأكاديمي تنطوي تحت لواء هيئة غير حكومية.
فقد أنشئ مجلس اعتماد التعليم بعد الثانوي المعروف اختصاراً باسم CopA وأصبح هذا المجلس المسئول عن وضع سياسات وإجراءات الاعتماد في التعليم العالي، وهو هيئة غير حكومية تعمل من أجل تحقيق الجودة في المؤسسات التعليمية، ويتشكل هذا المجلس من (19) تسعة عشر عضواً من هيئات الاعتماد الجامعي، واتحادات الكليات والجامعات، ويتمثل دور المجلس في مراجعة تقارير هيئات الاعتماد الجامعي بشكل دوري، وتحديد مدى صلاحيتها وتقويم أنشطتها من خلال اعتماده لها.
وفي الولايات المتحدة الأمريكية تتولى مجالس إقليمية وضع معايير الاعتراف بمؤسسات التعليم العالي وتنظم الإجراءات الخاصة بها، وتقوم هذه المجالس الإقليمية بالتقويم والإجازة والاعتماد للجامعة الأمريكية في شكلها الواسع كمؤسسة واحدةMarco Level طبقاً لمعايير معرفة بشكل عام مثل الإمكانات، والمصادر
المادية والموارد التي تمتلكها الجامعة، ويسمى هذا النوع "الاعتراف بالمؤسسات التعليمية".
أما المجالس المهنية والكليات على المستوى الضيق Micro Level فيتم تقويمها وإجازتها واعتمادها طبقاً لمعايير محددة تتعلق بالمناهج والأبحاث والوسائل التعليمية ونوعية المعارف والمهارات والقيم التي يكتسبها التلاميذ، حيث يركز على الاعتراف ببرامج معينة، ويسمى " بالاعتراف التخصصي" Specialized Accreditation
وللاعتراف هدفان جوهريان:وهما يتضادان في بعض الأحيان:
- الهدف الأول: يتطرق إلى تقييم التجربة الماضية للجودة المقدمة في برنامج معين.
- أما الهدف الثاني: فذو طبيعة مستقبلية حيث إنه يرمي إلى تقوية وتطوير المؤسسة التعليمية.
وتعني ثنائية الهدف هنا أن كل عملية اعتراف تحمل بين طياتها اقتراحات وتوصيات بتطوير بعض أنشطة المؤسسة حتى إن كانت النتائج مرضية أو كان الاعتماد الأكاديمي بالمؤسسة على وشك الصدور.
في عام 1996 قرر كل من المجلس القومي الأمريكي للتعليم واتحاد الولايات الوسطى للكليات والجامعات والاتحاد الأوروبي للجامعات تبادل الخبراء كأعضاء في فريق التقييم لكي يتشاركوا في الآراء والخبرات ونتيجة لهذا المشروع تتعدد الخبرات الخاصة بعملية تقييم وضمان الجودة.
ويوجد في الولايات المتحدة الأمريكية نظام تطوعي لاعتماد، حيث توجد ست مؤسسات الاعتماد في الولايات الجنوبية، والشمال الغربي وإنجلترا الجديدة والشمال والوسط والاتحادات الغربية المسئولة عن اعتماد جميع الجامعات والكليات (الاعتماد المؤسسي) كما توجد بعض الوكالات المسئولة عن اعتماد البرامج التعليمية، ويعتبر مصطلح تطوعي هنا محل جدل، لأن الطلاب قد يلتحقون ببعض المؤسسات غير المعتمدة ومن ثم يوجد فرق بينهم وبين أقرانهم في الجامعات المعتمدة.
وقد تزايدت في الآونة الأخيرة شكاوى القيادات المسئولة عن التعليم العالي من تعدد المطالب التي تحتاجها وكالات ومؤسسات الاعتماد لتقييم برامجها المؤسساتية التي تعتبر محل ضعف في هذه المؤسسات، وبصفة عامة فإن معظم المقترحات الصادرة عن الوكالات المتخصصة تتضمن الحاجة إلى الموارد وضرورة توفيرها لإدارة هذه المؤسسات وعلى الجانب الآخر يعاني الاعتماد المؤسسي من ضغوط أخرى مثل واضعي القانون التربويين الذين دائماً ما يسعون إلى تحقيق الجودة في التعليم.
وطبقاً لنصوص قانون 1992م الخاص بإعادة توجيه سلطات التعليم العالي فإن كثيراً من المسئولية تقع على عاتق وكالات الاعتماد ومؤسساته بهدف تطبيق المعايير الفيدرالية للجودة في التعليم، وقد حدد هذا القانون 12 مجالاً ينبغي أن يتم تقيمها قبل أن تصبح الكليات والجامعات جاهزة للاعتراف والاعتماد، وفي نهاية عام 1993،واجهت المؤسسات إلغاء مجلس اعتماد التعليم ما بعد الثانوي الذي يمثل
المنظمة المنتشرة لدى كل المعتمدين وتبع ذلك وجود اختلافات قوية بين أعضائه ومن ثم فقد قام المسئولون عن الاتحادات الكبرى التي تشمل الكليات وقادة وكالات الاعتماد المنطقية بتشكيل السياسة الدولية لاعتماد مؤسسات التعليم العالي لتوضيح كيف يمكن تحسين إجراءات الاعتماد ومصداقيته، وقد قامت هذه اللجنة ببعض الإصلاحات التي تتضمن تكوين فريق قومي ولجنة قومية لاعتماد المؤسسات تتلخص مهامها في ما يلي:
- وضع مجموعة من المعايير الخاصة بالتقييم للجودة واستخدامها داخل النظام.
- توجيه الاهتمام للمؤسساتية من خلال استخدام وسائل لقياس التحصيل الأكاديمي للطلاب.
- وجود تقارير عامة للمعلومات المناسبة للفعالية المؤسساتية.
- وفي عام 1997م تم إنشاء مجلس اعتماد التعليم العالي، ويعد هذا المجلس منظمة قومية مركزية تقوم بتنسيق أنشطة الاعتماد في الولايات المتحدة،وتضم أكثر من 3000 كلية وجامعة، و(60)ستين من المعتمدين المختصين قومياً ومحلياً،ويضم المجلس لجنة مكونة من(16) ستة عشر عضواً من رؤساء الجامعات وعمداء الكليات وممثلين لجهات رسمية وأهلية.
ويهدف مجلس اعتماد التعليم العالي (CHEA) إلى عدة أهداف تتمثل في الآتي:
1- الأهلية Advocacy: يعد المجلس الجهة القومية الأساسية للاعتماد التطوعي، وتوكيد الجودة.
2- الخدمات Services: يعد المجلس الجهة القومية الرائدة للكشف عن القضايا التي تخص توكيد وتحسين الجودة بالتعليم العالي، ويعد المجلس مصدراً رئيسياً لتوفير المعلومات عن لجان الاعتماد القومي والإقليمي،ويقدم المجلس المشروعات والمبادرات التي تعزز الاعتماد، ويقيم المجلس المؤتمرات والندوات التي تهتم بقضايا معايير اعتماد مؤسسات التعليم العالي.
3- الاعتراف Recognition: يمثل المجلس الهيئة الأهلية التي تقوم بعملية الفحص والتقويم المستمر لمؤسسات التعليم العالي،ومن ثم إعطاء شهادات الاعتراف لتلك المؤسسات.
وقد تبع ذلك إنشاء مجلس اعتماد التعليم العالي الذي يشرف على مؤسسات ووكالات الاعتماد بدلاً من اعتماد التعليم العالي غير الحكومي ويتولى وضع المعايير التي تحقق جودة التعليم العالي في أمريكا.
وتقع مسئولية ضمان جودة التعليم العالي في الولايات المتحدة الأمريكية على عاتق وكالات ومؤسسات الاعتماد ونظامها اللامركزي وهي تقيم الجودة من خلال توجيه الجودة عن طريق تحسين البرامج بواسطة سلسلة من القواعد والمعايير لبيئة التعلم، وعلى الرغم من ذلك فإنه توجد أربع ديناميات مختلفة تساعد في تحقيق ضمان الجودة وقياسها في التعليم العالي بالولايات المتحدة الأمريكية وهي:
- أولاً: مراجعة البرامج والمؤسسات وتقييم قدرة كل من البرامج والمؤسسات على توفير بعض الخبرات التعليمية لطلاب، ويعد التغير الأساسي في ضمان الجودة بالولايات المتحدة الأمريكية أن عملية الاعتماد تركز بصفة أساسية على نتائج تعلم الطالب التي تتطلب من المؤسسات والبرامج تحقيق مستوى جيد من أداء الطالب
وفقاً لمعايير ومقاييس الأداء التي وضعتها وكالة الاعتماد في حين أن هذا التغير يعد أمراً جديداً في التعليم العالي بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث يبدو أن نظامها المؤسسي قد تم اعتماده من خلال تطبيق مدخل المخرجات للتقييم في مراجعة معايير الاعتماد والعمليات.
-ثانياً: تطبيق عملية المحاسبية الشاملة في التعليم ما بعد الثانوي على نتائج الطالب، ولقد ساعدت الاهتمامات الموجهة نحو تعلم الطالب وإنتاجية المؤسسة وإدارة الموارد والتركيز على الطالب في كل ولاية على تبني خطة للمحاسبية تتطلب من المؤسسات تحقيق وتسجيل البيانات وعناصرها التي تتضمنها عمليات التنسيق وتعتبر آراء الطالب عن التعليم ما بعد الثانوي ذات أهمية بالغة في جهود الحكومات لضمان الجودة المؤسساتية.
- ثالثاَ: تتغير الطبيعة التنافسية للتعليم العالي ببعض الطرق المختلفة، منها التكلفة والعائد اللذان أصبحا يمثلان أهمية رئيسية في التعليم العالي ولذا تتزايد الضمانات في اختيار الطلاب ونتيجة لذلك فقد أصبحت لمؤسسات تهتم بصورة كبيرة بالعوامل التي تؤدي إلى اختيار وانتقاء الطلاب ورضاهم، ومن ثم فقد سعت هذه المؤسسات إلى تطوير وتحسين الجودة وعمليات التقييم التي تهدف إلى تفعيل المزايا الإستراتيجية في تنافس الطلاب، وقد واجهت هذه المؤسسات تحدياً كبيراً لإتمام عمليات تحسين الجودة وإدارة عملية التسجيل واتفاقها مع رسالة المؤسسة وأدوارها.
-رابعاً: تزايد نظم المعلومات المتقدمة قد جعل المؤسسات مليئة بأجهزة الحاسبات الآلية ونظم البرمجيات وبائعي الخدمات التي ساعدت على جمع وتحليل وإدارة البيانات،وعلى الرغم من ذلك فإن هذه المؤسسات لم تدمج نظم مخرجات المعلومات مع خطط ضمان جودتها،وفي الواقع سوف يستمر استخدام التكنولوجيا في تقييم مخرجات الطالب، وتطبيق التكنولوجيا على مستوى المؤسسة لضمان الجودة يعد أمراً غاية في الأهمية.
وتفرض هذه الديناميات العديد من الأسئلة الهامة حول كيف يمكن أن تعيد المؤسسة تشكيل نظم المعلومات وعمليات ضمان الجودة لكي تستطيع الاستجابة بفعالية لهذه التغيرات، ففي البيئة الجديدة للتعليم العالي توجد تحديات لوضع وتطوير نماذج لتوليد وتشكيل واستخدام المعلومات حول أداء الكليات والجامعات لكل من ضمان الجودة الداخلي والخارجي وعمليات التحسين المستمرة، وعند مواجهة مثل هذه الظروف يتوقع من مؤسسات التعليم العالي أن تجمع وتشكل وتحلل وتنشر البيانات بطريقة منظمة عن كيفية إدراك كل من الطلاب والأفراد العاملين وأعضاء هيئة التدريس بها وفعالية الكثير من البرامج والخدمات، وتوجد حاجة ملحة للربط بين هذه البيانات
والخدمات التي قد تكون متوفرة عن التدريس وعناصره، واليوم لم يعد قياس الجودة قضية أكاديمية حول كيفية فهم وقياس الجودة، ولكنها في حقيقة الأمر مشكلة تنظيمية عن كيفية تنظيم نظم المعلومات بهدف الاستجابة للمطالب الداخلية والخارجية للمعلومات المتعلقة بأداء البرامج والخدمات.
ويعتبر تقييم كل برنامج أكاديمي ذا أهمية بالغة في مخرجات عملية تعلم الطلاب، وتسجيل البيانات عن تقييم نتائجه والأنشطة والإجراءات التي قاموا بها للتغلب على المشكلات التي تعترضهم أثناء مراجعة وتقييم البيانات، كما يتم تسجيل الإجراءات الخاصة بتقييم البرنامج وتحسين البرامج الأكاديمية وتدعيمها وكذلك مراجعتها بصفة مستمرة كما أن نتائج التقييم لبيانات إدارة الجودة 2000 يتم تضمينها في عملية مراجعة برامج الجامعة، حيث يتم مراجعة كل برنامج أكاديمي في الجامعة بمعدل مرة كل سبع سنوات بواسطة لجنة جامعية تتكون من المديرين وأعضاء هيئة التدريس طبقاً لمجموعة من المعايير المتفق عليها من قبل إدارة الجامعة، بالإضافة لذلك تقوم لجنة تقييم البرامج بمراجعة بيانات تقييم نتائج الطالب التي يوفرها البرنامج من خلال الدراسة الذاتية ويجب أن يتم استخدام البيانات التي يتم استخلاصها من نظام إدارة الجودة 2000 لتحقيق الجودة وتحسين الأداء أثناء عملية التقييم، حيث تستخدم لجنة التقييم البيانات في طرح بعض المقترحات حول مستقبل الجامعة وتدعيم عمليات التقييم والمراجعة.
وقد يكون للتقييم الناجح أثر كبير على أداء الكليات والجامعات عن طريق إيجاد أساس قوي لضمان الجودة على كل المستويات في المؤسسة، فالأفراد العاملون الذين يؤكدون على البيانات الصحيحة الخاصة بالبرامج يمكنهم استخدام هذه البيانات في توفير عملية التوجيه والإرشاد حول المناهج وقضايا التدريس، كما يستطيع المديرون الذين لديهم نظام للتقييم توفير مبادئ تستند على بيانات لعملية التغيير والتفعيل بهدف تحسين الخدمة للعملاء واستخدام البيانات من قبل مؤسسات الاعتماد، وعليه فإن كان لدى المديرين وأعضاء هيئة التدريس نظام لقياس وتقييم الجودة على أساس قوي فإنهم يحققون نتائج فورية ومعدلات عالية من الأداء.
وخلاصة القول يعتبر نظام إدارة الجودة نموذجا لجمع واستخدام البيانات المتعلقة بأداء البرامج لتدعيم ضمان جودة التعليم العالي، ويتطلب ذلك عملية التقييم الشاملة للبيانات التي يمكن استخدامها في عملية صنع القرار داخل الجامعة، وقد ساعد هذا النظام على توفير إستراتيجية للتقييم والتحسين المستمر للجودة والمحاسبية الداخلية والخارجية لجميع العناصر، كما ساعد الجامعة على التكييف مع استراتيجيات ضمان الجودة والاعتماد الأكاديمي والمؤسسي، وكذلك فإنه يعد طريقة غير مكلفة لتوفير البيانات المتعلقة بتقييم المؤسسة ككل والبرامج التعليمية أيضاً.