جمال المرأة في وسا
جمال المرأة في وسائل الإعلام
رأيت منذ عدة أشهر
غلافاً لإحدى المجلات الأمريكية المتخصصة في عرض قضايا المراهقات واهتماماتهن
شد انتباهي أحد عناوين الغلاف حيث يقول : ( كيف تجعلنا وسائل الإعلام نكره أجسامنا
) . الملفت أن تلك المجلة غربية ، تقدم كمثيلاتها آخر
صيحات الموضة في الأزياء والماكياج وقصات الشعر . تناول الموضوع كيفية عرض
وسائل الإعلام المختلفة لمفهوم جمال المرأة وتحديدها لمعاييره . والمتأمل في وسائل
الإعلام المعاصرة يراها – وعلى مدى عقود متتالية – شبه مجمعة على اعتبار المرأة
الأوربية نموذجاً للجمال .أضيف طول
القامة ونحافة القوام إلى الشعر الأشقر وإلى العينين الزرقاوين أو الخضراوين . هذه
المعايير أصبحت عرفاً غير مكتوب يقاس وفقاً لها جمال النساء ليس في الغرب فقط ، بل
في العالم كله . كثير من نساء العالم اندفعن يقلدن تلك المواصفات التي صاغتها
وسائل الإعلام – بتوافق أو بتواطؤ – مع دور الأزياء العالمية وصناع ومستحضرات
التجميل . كثير منهن استمتن في اتباع برامج حمية قاسية (
ريجيم ) لكي تبقى أجسامهن رشيقة ، فحرمن أنفسهن من لذة الطعام ومتعة الأمومة . بعضهن اشترى مستحضرات تجميل ادعى مصنّعوها أنها تجعل البشرة أكثر بياضاً .
أخريات انتشر بينهن استخدام صبغات الشعر التي تغير لونه الأسود إلى الأشقر أو
كستنائي . أما ذوات الشعر المجعد ، فقد تسابقن في شراء مستحضرات فرد الشعر . كما
ازدهرت تجارة العدسات اللاصقة الملونة التي تجعل صاحبة العيون السود تتمتع بعيون
زرقاء أو خضراء . لا أزال أتذكر – وأتعجب – حالة من الاستغلال البشع
بل والإجرامي عند يعض تجار المستحضرات ، فقد قامت شركة أمريكية بعرض برنامج دعائي
طويل بثته في قنوات تلفزيونية عديدة ، استضافت فيه من ادعت أنها خبيرة في تجميل
الشعر من أصل أفريقي . وكان المراد من ذلك هو إقناع النساء السمراوات بأنه يمكنهن
اتباع تجربة هذه الخبيرة التي تنحدر من العرق نفسه بأنه يمكنهن فرد شعورهن ليحصلن
على الجمال الذي يردنه بمجرد استخدام ذلك المستحضر الذي كانت الخبيرة تنصحهن
باستعماله . كما استضاف البرنامج عدداً من السمراوات ذوات الشعر
المجعد اللواتي يزعمن أنهن جربن ذلك المستحضر وحصلن على نتائج ممتازة . وبعد أن
باعت الشركة كميات كبيرة من ذلك المستحضر ، تبين أنه يتسبب في سقوط الشعر . حاول
بعض من فقدن شعورهن الاتصال بالشركة لمعرفة السبب لعلاج هذه المشكلة ، فلم يتلقين
أي مساعدة . بعد ذلك ، قامت الشركة بقطع خطوطها الهاتفية بعد أن خشيت من كثرة
المتصلات المشتكيات وفي السياق نفسه ، أتذكر كثرة استخدام صبغة الشعر المعروفة
بالميش لتشقير الشعر الأسود بين الأمريكيين من أصول غير أوربية . رأى بعض
العنصريين البيض أن هذا العمل يشوه صورة البيض وتميزهم العرقي – كما يزعمون –
ولذلك أقدم بعضهم على قتل المتشبهين بالبيض . إذا كان طلب الجمال وإظهاره
والمحافظة عليه أمر فطري ، فإن الهوس في طلب الجمال قد يكون عرضاً لمرض نفسي .
فالإنسان الذي لا يشعر بقيمة حقيقية لذاته ، يسيطر عليه إحساس سلبي يشعره بأنه دون
الآخرين . فيكون الحل الأسهل هو محاكاتهم في الملبس أو المظهر أو طريقة الكلام .
وعندما يحاول أحد توجيه نصح لهذا المقلد ، تجده لا يستجيب بل قد يثور ، ثم يبرر
سلوكه لنفسه بأن من ينصحونه يغارون منه أو يحسدونه !
لا بد من التـأكيد على قيمة جمالية رئيسة ، وهي أن الجمال ينبع من الداخل وينعكس
على الظاهر ، وأن جمال الروح هو الذي يجعل من جمال الجسد جمالاً حقيقياً يتمتع به
صاحبه ومن حوله . هذا الأمر ملموس بالتجربة ، فبعض من حباهم الله شيئاً من الجمال
لم يتمكنوا من اكتساب محبة أزواجهم لكونهم لا يتمتعون بجمال داخلي يتناسب مع
جمالهم الخارجي . كما أنه من المهم معرفة أن الجمال أمر ذوقي يتفاوت بين شخص وآخر
. فمن المستحيل أن ينال شخص ما استحسان وإعجاب الناس أجمعين ، كما أنه لا يتوقع
ألا يرى محاسنه أحد . أعود لأؤكد أن معايير الجمال ينبغي ألا نستقيها من وسائل
الإعلام التي تتاجر بالمرأة وجسدها ، كما ينبغي أن نعلم أن ترويج المستحضرات
التجميلية كثيراً ما يتوافق مع تلك المعايير ، فيتحقق بذلك أمران : تكريس تفوق
الغرب حتى في قضايا الجمال والذوق ، وإنفاق الأموال الطائلة سعياً وراء الحصول على
جمال غريب الطابع والملامح عن ثقافتنا وعن صفاتنا الجسمية التي خلقنا بها
يوم نبضت حوّاء من
قلب آدم
المرأة ...المرأة... حقوق المرأة... حُريّة المرأة... حياة المرأة... قانون المرأة... ...المرأة ...المرأة...تعالت
الأصوات و كثرت الكلمات و صاح النّاس... تُرى ما بال العالم في هذه الأيّام لا
يترك صغيرةً و لا كبيرةً إلاّ و عمل منها قضيّة و مبدأ ، و رفع عليها و بسببها
الرّايات و هتف للنّضال و الحرب في سبيلها!!!
و الغريب في الأمر أنّ آخر صيحات العالم منذ قرنٍ تقريبًا، تدور حول المخلوق
العجيب المُسمّى : المرأة !!!
مخلوق ؟ أم ظاهرة !! هل تعلم أنّ ذلك" المخلوق " كان محور نقاشٍ و تساؤلٍ
كبيرين في أوروبا خلال قرونها " المُظلمة " ؟ لقد ادّعى بعضهم أنّها " شيطان " وجب التّخلّص منه، و ادّعى
آخرون أنّها مخلوق لم يوجد إلاّ للقيام ببعض المهامّ... !! لا يحقّ له إبداء رأيه
أو التّعبير عن رغباته...و ليس الوقت وقت تفصيلٍ في معاناة المرأة عند " الغرب"
طيلة القرون الفارطة، يكفي أن يطّلع الفرد على مُؤلّفات الكُتّاب الفرنسيين [
القرن 15 --> القرن 19 ] حتّى يكتشف ، و على لسانهم، حال ذلك "
المخلوق" . ثمّ جاءت النّهضة الأوروبيّة؛ و هي نهضة صناعيّة
اقتصاديّة بالدّرجة الأولى، و هنا كان على كلّ أفراد المُجتمع الأوروبّي العمل.
أوروبّـا صارت بحاجة لليد العاملة لِتُكثّف من نشاطها و تنمو. و هنا، و فجأةً؛ صار
" الشّيطان " بشرًا !! و صار " المخلوق" إنسانًا كامل الحقوق
! و أوّل مزاياه التي
سيحصل عليها، هو أن يقلع التّنانير الطّويلة الفضفاضة و ينزع "
الفواليت" ( غطاء الوجه آنذاك، كانت تلبسه الأوروبيّات مع القبّعات ) و يلبس
بذلة الشّغل، و ينزل للعمل في المصانع وسط الآلات و الصّخب: أخيـرًا تحرّرت المرأة
!! ثمّ شيئًا فشيئًا صار
العلم يتقدّم أكثر فأكثر، و صارت الاختراعات تتابع الواحدة تلو الأخرى، و هاهو عصر
الكاميرات و التّلفزيون و السينما يعمّ، و بات من الضّروري تسويق بضائع أكثر و
منتجات أعمّ نفعًا !! فتحصّلت المرأة على حقوق أكبر و أكبر ؛ صار من
"حقّها" أن تفقد السّيطرة على جسدها الذي أصبح ملكًا للشّعب ! فليس من
شيء يضاهي منظر فتاة شابّة في عرض سينمائي أو بالقرب من بضاعةٍ ما، ذلك أفضل
"حقّ" لها و أفضل شيءٍ بالموازاة يزيد في رقم الأرباح التّجاريّة، حتّى
صارت تستمتع بعرض نفسها أمام "مكنسة" و " أكل للكلاب" و...
و... لأنّها الآن صارت " حُـرّة " !!! نعم، نعم لا تستغرب إنّ للحريّة
ثمنًا ! في أحدث ما تمّ عرضه من مشاكل المرأة الأوروبيّة و
الفرنسيّة خاصّة هو كونها تعمل بنفس الكفاءة العلميّة و في نفس ساعات العمل
كالرّجل مع أجرةٍ تنقصُ عنه بـ30 % !!! إنّه حقّ المساواة الذي تستمتع به الآن. حتّى أنّها من فرط الحريّة التي
حصلت عليها لا تستطيع حتّى مُمارسة ما خُلقت له ببساطة؛ إنجاب الأطفال و رضاعتهم... لأنّ التّأمين لا يتحمّل شهرين غياب بمُرتّب، و ربّ
العمل ليست مُشكلته إن أنجبت فإن أرادت الإرضاع أو الاعتناء بالصّغير وجب عليها
ترك العمل، هناك غيرها للقيام به، عليها أن تختار إما العمل و جلب قوتها بنفسها و
إمّا البطالة و التّشرّد لأنّ المسكينة من فرط الحريّة و الحقوق و المساواة التي
حصلت عليها لم يعد لها والدٌ يكفلها، بل يضعها في الباب عند أوّل فُرصة تسنح له:
إذهبي لن أصرف عليكِ لأنّكِ لم تعودي قاصرًا !!! و ليس لها أخ يكفلها؛ كما يقولون " كلّ واحد لنفسه و الربّ للجميع
" إنّها مُساوية له الآن و ليس عليه أن يتحمّل مسؤوليّتها لأنّها الآن راشدة
و حُرّه !!! و ليس لها زوج ! نعم، نعم لا تستغرب لأنّها الآن من فرط
رُشدها و حُريّتها لم تعد تتزوّج و تعيش بسلام في كنف عائلةٍ مُحترَمة، بل هي الآن
تحت رحمة " الصّديق" الذي بطبيعة الحال من فرط تحرّره و تقدّمه لم يعد
يتزوّج لأنّ الزّواج يُقيّد الحُريّات و يقمع المشاعر و... و... الصّداقة الآن
أفضل وسيلة للتّملّص من هذه الأم العزباء التي أضحت تُعاني البطالة، لم يبق له
الآن إلاّ أن يصرف عليها !! أبدًا ! سوف يذهب للعيش مع حُرّةٍ أخرى، تملك ما
تعول به نفسها !!!
و هاهو صغيرها يكبر و قد عاشر العديد من الآباء، اعتاد" الحُريّة" و
اعتاد " المساواة" : " إلى اللقاء يا أمّي، أنا راشد و أنا ذاهبٌ
للعيش مع صديقتي في منزلي الخاص !!! " ، أين مصيركِ يا حُرّه ؟؟! ؛ إلى دار
المُتقاعدين. هي الآن مع شقيقاتها من اللواتي أنهكهنّ العمل و
الجري وراء القوت، كم من مهزلةٍ واكبت، كم من اعتداءٍ تحمّلت، لا خيار لها إمّا
دار التّقاعد أو الشّارع لأنّ لا أحد سوف يدفع لها إيجار شقّتها و ليس في سنّ
الخمسين أو السّتين سوف تجد عملاً فالشّرط الأساسي للحصول على وظيفة هذه الأيّام
هو الجمال و الجاذبيّة !! للأسف، أم تراها تُراهن على حياتها بإجراء العشرات من
العمليّات التّجميليّة " للبقاء على قيد الحياة " ؟!... هل هذا حقّ، هل هذه حُريّة، هل هذا تطوّر
؟؟! كلاّ و ألف كلاّ ! يوم نبضت حوّاء من قلب آدم، كان مصيرها الحقيقي و
قدرها أفضل بكثير في رحاب ما قدّره لها ربّها ، لأنّها حوّاء النّابضة بالحياة
المخلوقة من الحياة و الواهبة للحياة ، لأنّها الحياة لأنّها الرّحمة لأنّها العطف
لأنّها الحنان و الحُبّ؛ كرّمها ربّها و جعلها الأمّ و الزّوجة و البنت.