دور الفنان ومسئولي
دور الفنان ومسئوليته في خلق متذوق فني :
ومسئولية الفنان يمكن تحديدها فيما يلي :
أولا : ان تكون أعماله الفنية ذات طابع مميز وباستمرار
ثانيا : أن تكون أعماله الفنية معبرة عن سمة وإمكانيات العصر الذي يعيش فيه
ثالثا : أن تكون نظرته لما يريد التعبير عنه نظرة تتصف بالشمول
وبشيء من التفصيل يمكن تفسير دور الفنان فيما يلي :
أولا : أعماله الفنية ذات طابع مميز وباستمرار :
والمقصود من أن كون أعمال الفنان ذات طابع مميز وباستمرار هو ان تختلف أعماله عند النظر إليها عن أعمال غيره من الفنانين 0 فمثلا عندما تتطلع إلى التاريخ وندرس بعض أعمال الفنانين القدامي ، نلاحظ أن أعمال ( فان جوخ) تختلف في مظهرها عن أعمال ( ماتيس) 0 فالأولى تتميز بالألوان الصارخة والقيم الملمسية الخشنة ، ينما تتميز الثانية بالتلقائية وسهولة الأداء ، كذلك نجد أن أعمال ( هنري مور) في فن النحت تختلف في أسلوبها عن أعمال المثال المصري القديم ، أو الهندي أو بعض فناني عصر النهضة أمثال مايكل أنجلو أو برتيني 0
والاختلاف المقصود ليس اختلافا سطحيا ، وإنما هو اختلاف في الكيان ذاته – لاسيما وأن العمل الفني ما هو إلا تجسيد محسوس لبعض الأحاسيس والأفكار التي قد تتشابه مع بعضها البعض ولكنها في النهاية تتميز بفردية وكيان مستقل كأعمال فنية 0 لذلك فاختلاف الطابع عند الفنانين يرجع أساساٌ إلى اختلاف تكوينه منذ الولادة 0 فكل إنسان يولد ولديه قدر معين من الميول والاستعدادات الخاصة التي تحدد معالم شخصيته في المستقبل 0 فإذا ما صادفته ظروف البيئة والإمكانيات التي تساعده على تأكيد هذه الميول والاستعدادات أصبحت شخصيته ولكل نشاط يقوم به طابعا فريدا ومميزاٌ 0 وفي نفس الوقت أصبح يقال عن هذا الإنسان بإنه إنسان مبتكر أما إذا لم تصادفه ظروف البيئة التي تساعده على تنمية ميوله واستعدادته فإن شخصيته تصبح شخصية لا لون لها ، وبالتالي يصبح كل نشاط يقوم به مألوفا ودارجاٌ 0 وفي نفس الوقت يصبح إنسانا يقال عنه انه إنسان عادي أو مقلد 0
والفرق بين الابتكار والتقليد فرق كبير فالابتكار هو خلق الجديد 0 فالحصان مثلا يختلف في مظهره وتكوينه عن البقرة ، والبقرة تختلف عن الغزال والأسد ، وهذه جميعا هيئات مبتكرة يختلف كل منها عن الآخر 0 ومثل الحيوانات كمثل جميع النباتات والطيور فلكل منها هيئة ابتكارية معينة ، وهذا ما تتميز به الطبيعة بل هو سر إعجازها وعظمتها 0
أما التقليد فهو المطابقة أو المماثلة ، كالنسخة الواحدة من الكتاب المطبوع عندما تتطابق مع بقية النسخ الأهرى 0 أو العملة النقدية ذات القيمة الواحدة عندما تتماثل مع بقية العملات من نفس القيمة 0 والتماثل هو التكرار 0 والشيء المكرر لا يحمل عادة صفات جديدة تتميز عن الشيء الذي أصبح صورة منه 0 كما هو الحال في جميع أنواع الإنتاج الآلي عندما لا يختلف المنتج المفرد من النوع الواحد عن بقية الإنتاج مثل صناعة السيارات أو الأثاث أو جميع الأدوات المنزلية بكافة أنواعها عندما تصنع آليا 0
هذا من ناحية الفرق بين التقليد والابتكار أما من ناحية القيمة فالتقليد مظهر الثبات وعدم الحركة ، بينما الابتكار مظهر الحيوية والنشاط ونحن لا نتصور كيف تكون الحياة لو سارت على وتيرة واحدة ، وأن ما بها يرى على صورة مماثلة ؟ أنه بلاشك تصبح حياة رتيبة مقفرة أو على الأقل تصبح حياة فقدت بريقها وحيويتها 0
: أعمال فنية تعبر عن سمات العصر وإمكانياته :-
والمقصود من أن يعبر عن سمة العصر وإمكانيات العصر الذي يعيش فيه هو ان تعكس أعماله الفنية صورة الحياة التي يعيشها سواء كان هذا من الناحية الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية او من أي ناحية طالما لها اتصال مباشر او غير مباشر بحياته الراهنة 0
ومن المعروف ان لكل عصر من العصور سمة خاصة تميزه عن العصور التي مضت والعصور التي سوف تأتي في المستقبل 0 فالماضي غير الحاضر ، والحاضر غير المستقبل ، وكل له طابع في أسلوب المعيشة ، وفي الاتجاهات الفكرية السائدة ، وفي الإمكانيات المادية التي تحيط بالناس 0 ونحن أحيانا نعتقد أن الماضي عبارة عن فترة زمنية انتهت ، والحقيقة أن الماضي هو ظروف معيشية تغيرت بالنسبة لظروف المعيشة التي نعيش في ظلها 0 فالحد الفاصل بين الماضي والحاضر والمستقبل هو الحد الفاصل بين اختلاف ألوان المعيشة التي يمارسها الناس 0 لاسيما وأن الإنسان من حيث كونه كائنا حيا يرغب في المعيشة يكاد يكون إنسان واحداٌ لا يتغير 0 أما من حيث كونه إنسان يمارس معيشة معينة وذات لون خاص فهو متغير ويتغير دائما وباستمرار 0 فلون المعيشة إذن لا الرغبة فيها هي التي تحدد صورة الإنسان وتؤكد ذاته وكيانه ، بهذا المعنى فالإنسان دائما مرآة لون المعيشة التي يحياها 0
ومعيشة الإنسان ليست عيشة فردية ، وإنما هي معيشة اجتماعية يشارك فيها الإنسان مع غيره صورة مترامية الأطراف ومتعددة الجوانب 0 وهذا الاشتراك المعيشي الجماعي هو في الحقيقة ملكا للفرد وملكا للجماعة في نفس الوقت ، وهذا هو ما نسميه بروح الجماعة أو سمة العصر 0 فالإنسان إذن جزء من العصر الذي يعيش فيه ومن الصعب ان يكون غير ذلك وإلا سمى بإنسان متخلف أو رجعي
والفنان بطبيعته يعيش مع الحياة ومع المنطق ومع الواقع لأنه يريد المستقبل 0 ومن يريد المستقبل لابد وأن يعيش الحاضر بكل مقوماته وأبعاده وإمكانياته ،لأن الحاضر هو باب المستقبل والمستقبل هو الحاضر الذي سوف يأتي 0
ثالثا : نظرة شاملة لما يريد التعبير عنه :
والمقصود من أن تكون نظرة الفنان لما يريد التعبير عنه نظرة تتصف بالشمول ، هو أن تكون خبرته بالشيء الذي يريد التعبير عنه خبرة موضوعية 0 والخبرة الموضوعية لا تعرف حداٌ أو صوراٌ ، مما يساعد على انتشار رقعة الفن بين الناس فينال كل من هذا الفن ما يريد وينال كل منه ما يرضاه لنفسه ويهواه 0
وكل شيء نراه ليس شيئا واحدا كما نتصور انه كذلك ، أو نريد له أحيانا ان يكون على هذا النحو ، إنما هو شيء مركب ومتعدد الجوانب 0 فالشجرة مثلا ليست جذعا صلبا وفروعا كثيرة وأوراقا خضراء ، وإنما هي إلى جانب ذلك سلالة من نوع معين من الأشجار ، وبها تمثيل غذائي خاص ، وتسع من الفراغ وهي في دورها الأول من النمو قدرا محسوبا من الأمتار ، وهي في دورها الأخير قدرا آخر من الأمتار ، وتزن في بعض الأحيان من ثلاثة إلى خمسة أطنان وتثمر أحيانا ولا تثمر أحيانا أخرى 0 ومثل الشجرة كمثل الرجل والمرأة والمنزل والسيارة كلها لها أكثر من جانب ولكننا لا نراه عندما نقصد الرؤية ونتعمدها 0 أو بعبارة أخرى عندما تكون نظرتنا إلى هذه الأشياء وغيرها تتصف بالذاتية 0