دورالأسرة والمدرسة
دورالأسرة والمدرسة والمجتمع في خلق متذوق فني
الأسرة
تعتبر الأسرة من الأركان الهامة في عملية بناء هيكل التذوق الفني لدى الإنسان منذ طفولته ، فإذا كانت الأسرة ممن يهتمون بالفنون وبتذوقها فمما لا شك فيه ان الأطفال سيشبوا على حب الفن وبالقدرة على تذوقه ويجب على الأسرة ان تنمي هذه الحاسة في الطفل وتتلمس شتى الطرق إنماء هذه الحاسة لدى الطفل وذلك فتتبعه في المدرسة واصطحابه إلى المعارض الفنية وغيرها0
ومن الوظائف التربوية للأسرة والمدرسة والمجتمع تدعيم المعايير السليمة للذوق والعمل على تنشئة الطفل على توعية من القيم الجمالية الرفيعة ورفع مستوى كفايته التذوقية والمجتمعات المتقدمة تنشئ المؤسسات المتخصصة في إعداد القيادات في مجال التنمية التذوقية وتعزز برامجها وتدعم سياستها لأنها تعتقد في أن رفع مستوى الذوق إلى المستويات الرفيعة بتنمية قدرة النشء على التأمل والإبداع والنقد والتحليل هو الطريق إلى المجتمع المتقدم ويجب
1- أن تنمي الأسرة الموهبة لدى أطفالها في شتى المجالات وتشجيعهم وحثهم على القيام بمزيد من الأعمال الفنية المختلفة فإذا وجددت الأسرة ان لديها طفل موهوب بالفعل تشجع فيه هذا العمل وتساعده على اشتراك في المسابقات المختلفة وتوفر له كل العوامل التي تساعده على إخراج هذا العمل في أحسن صورة له 0
2- ان تساعده على زيارة الأماكن الفنية المختلفة كالمعارض والمتاحف ومتابعة أوقات أقامة المعارض الفنية
3- مساعدته على قراءة المجلات والكتب الفنية والتعليق عليها
4- مشاركته مع الأسرة في اختيار ألوان حجرته وأرضيتها وستائرها وفرشها
5- إبداء رأيه في اختيار ملابسه وتناسق ألوانها وأشكالها 0
6- الاهتمام بتعليق اللوحات المختلفة أو المعلقات عموما ومناقشته في اختيار وتفضيل هذه المعلقات عن غيرها
المدرسة والتعليم
مما لا شك فيه ان التذوق يتم تطويره بالتعليم والمدرسة يقع عليها عبئ كبير في تنمية الناحية التذوقية عند الطفل وحيث ان التذوق شيئ نسبي فإنه من الضروري ان تتفهم المدرسة المراحل السنية المختلفة ومتطلباتها ومثيراتها ثم التخطيط لها لبلورة شكل وحدات التثقيف وتعليم المدرسين فن وأسلوب التوجيه لخدمة الطفل وطريقة الاستفادة من معطيات كل مرحلة سنية في تنمية الإدراك الإبداعي والمعرفي عند الطفل 0
وحيث ان معنى التذوق عندنا هو الاستجابة لطرائف التعبير عند غيرنا من الناس فإنه يحتمل إلا تتطور الملكة إلا بوصفها مجال واحد من مجالي التكيف الاجتماعي ولا تظهر نفسها كثيرا قبل سن المراهقة ، فحتى ذلك الوقت تكون المشكلة الحقيقية هي الاحتفاظ للطفل بها لردود أفعاله من حدة أصيلة تلقاء الصفات الحسية الوجدانية للخبرة حيال الألوان والسطوح والأشكال والإيقاعات 0 وهي أمور يغلب عليها " الصحة " المعصومة من كل خطأ بحيث لا يسع المعلم إلا أن يقف حيالها في حالة من الوقاية المقترنة بالرهبة 0
وعلى المعلم الفنان ان يكون له دوراٌ في استنباط أسلوب واتجاه خاص ذاتي عند التعامل مع الواقع ومع الظروف الخاصة التي يتعامل معها من حيث نوعية الأطفال وبيئاتهم المختلفة أو مع ظروف الحدث المنشود للعمل الفني ، إلى جانب مجموعة الميول المختلفة وتنوعها واتحادها نحو فكرة أو موضوع معين ، وغيرها من المثيرات المختلفة التي تؤكد على أهمية التجريب في المادة المطروحة للتثقيف ،واعتبار ان هذا الأمر بمثابة غاية وليست وسيلة محددة0
وفي يقيني أن أهمية المثقف تعلو وتسمو عندما يدرك ذلك الأمر ويتأكد معها دوره كرجل ثقافة وتربوي عندما يضع في حسبانه أهمية التذوق الفني كإحساس جمالي بالقيمة الفنية ، وعندما يضع في حسبانه أيضاٌ أن الأطفال ليسوا حقولاٌ للتجريب وإنما تفسيره للظواهر المنهجية هي التي يجب ان تخضع لميدان التجريب وليس الأطفال في حد ذاتهم 0
تتجه التربية الحديثة إلى العناية بالطفل قبل المادة ،فلم تعد تعلق أهمية كبرى على ما للمواد من قيم تقليدية اكتسبتها من النزعة الارستقراطية التي انحدرت إلينا من اليونان والذي كان يرى مواد الفكر والقلم على انها مواد السادة والحكام 0
ولقد تغير هذا الوضع كله بتغير التربية الحديثة وأصبحت المواد كلها سواسية في تربية الكائن الحي الذي نتعهده ككل 0 وأصبح أقربها إلى تحقيق هذا الهدف تلك المواد التي تتفق مع طبيعة نمو الطفل في المرحلة التي نعالجها
ومرحلتنا الابتدائية التي يحب الطفل فيها الحركة ، والنشاط واللعب وفحص الأشياء ومعرفة تكوينها ، هي مرحلة الخيال 0 فنلاحظ أولادنا قبل دخولهم المدرسة وهم يتخذون من الشوارع ساحات للتعبير عن أفكارهم : على الأرصفة وعلى الجدران يخططون رسومهم المكبرة دون ان يكون أمامهم رقيب يعرقل عليهم تفكيرهم وانفعالهم أو يدفعهم دفعا مفتعلا إلى هذا التعبير كما يفعل المدرسون 0
والطفل الخيالي ، حساس ، ملء بالحيوية يريد دائما ان يرى الجامد الصامت متحركا ناطقا والأشياء اللاإنسانية ولها صفات الإنسانية ، وما هو واقعي خياليا لأبعد الحدود 0 فنراه دائما لا يأبه بالواقع كما نفهمه نحن الكبار ، ولا يريد ان ينقل هذا الواقع بالنظرة الاصطلاحية التقليدية التي تحاكي مظاهر الأشياء محاكاة سطحية ميتة ، إنما هو دائما يدمج نفسه وفكره وروحه كلية فيما يراه ويخرجه لنا بلغة الطفولة الفنية المتحررة من كل ما نتعلم في مدارس الفنون 0
علينا إذن أن نتذوق هذا النوع من التعبير ونعد للطفل ما يتناسب مع طبيعته الفنية من بيئة جمالية 0
وعلينا ان نملأ عليه جوانحه بفيض من الخيال : من قصص ، وأساطير ومغامرات وبطولة تنقله إلى عالم السبح والانطلاق الذي يغذي طفولته ويرقي وجدانه 0
ان كل العالم الشكلي المحيط بنا هو عالم فني وذلك إذا استطعنا ان ننظر إليه من وجهة نظر الفن 0 وهذه النظرة تكتسب بنمو الحساسية الفنية وإذا نجحت المدرسة في توفير ذلك للطفل فسوف تنمي فيه الثمين والفني من غير الفني وما يقبله الذوق وما يحبه ويقبل عليه مما يستهجنه ويمتعض منه ويرفضه ويبتعد عنه 0 لذلك فإن معلم التربية الفنية يحتاج إلى فهم لطبيعة التلميذ في المرحلة التي يقوم بالتدريس فيها ، وإلى التعرف على إمكانية الأدائية والحركية وقدرة استيعابه للمهارات وتكوينه العقلي والنفسي ولطبيعة ولأزمات تعبيره الذي يتفق مع مرحلته العمرية 0
ولا ينبغي هنا فرض الأساليب والطرق الأدائية المعقدة من جانب المعلم والتي تظهر قدراته هو ، وإنما يجب ان تتبع الطرق من خلال فهم طبيعة لتلميذ ذاته 0
وأن أي مادة ضمن مناهج ومقررات التربية الفنية ، عندما يراعى في إعدادها لا تكون مادة بحتة ، أو أهدافها من أجل ذاتها ، وإنما أهدافها من أجل تربية النشء ، وجدانه ، وقدراته الإبداعية ، ومستوى تذوقه للجمال في انسجام مع العالم الخارجي ، إذ أن وجدان التلميذ وعقله يشكلان جانبي الشخصية الإبداعية المتكاملة أي انه ليست مهمة معلم التربية الفنية تلقين التلاميذ في المدرسة دروسا في مواد الرسم والأشغال الفنية والصناعات الحرفية ، مثل أعمال الخزف والنجارة وإنما هو بالأحرى مربي من خلال الفن ، ووظيفته تربية النشء جماليا ووجدانيا ، ومن أهدافه تنمية قدرات التلاميذ الإبداعية والعمل على رفع مستوى تذوقهم وثقافتهم ووعيهم النقدي من خلال الفن ، والمعلم هنا يتخذ من دروس الفن مجالا لتنمية قدرات التلاميذ على التفكير والتخيل والابتكار والتذوق الفني