ضمان الجودة والاعت
ضمان الجودة والاعتماد في الدنمارك:
يعتبر العقد الأخير هو الفترة التي شهدت اهتماما كبيراً بضمان الجودة في الدنمارك فمؤسسات التعليم العالي حتى عام 1990م لم يكن لديها أسس قوية لإعطاء الأولوية لضمان الجودة في عملية التدريس والتعليم، وعلى النقيض وخاصة في مؤسسات التعليم الجامعي استندت رسالة الجامعة على عملية البحث، وقد كان عام 1992م هو بداية ظهور ضمان الجودة في الجامعات، حيث سعت الحكومة الدنمركية إلى وضع نظام قومي للتقييم الخارجي للتعليم العالي بهدف تقييم البرامج في الجامعة والمؤسسات غير الجامعية على أسس نظمية.
ويمثل إنشاء هذا المركز انعكاسات لكثير من الاهتمامات والاتجاهات والخبرات وقد أصبح التقييم في عقد التسعينات قضية هامة في السياسة التعليمية، وتم النظر إليه على أنه نتيجة طبيعية للاتجاهات التنموية المتوازنة في التعليم العالي سواء في الدنمارك أو في غيرها من الدول الأخرى.
ومن ثم أصبحت هناك حاجة ملحة لضمان الجودة في التعليم العالي، وفي نفس الوقت ركزت الحكومات على عملية توجيه وتقييم محتوى برامج التعليم العالي ومدى ارتباطها بتوزيع الموارد، وبالتالي كانت هناك رغبة شديدة في تحقيق الربح في عدد من الدول من خلال لا مركزية العمليات، وقد تم الربط بين معايير الأيزو 9000 وإدارة الجودة الشاملة في المؤسسات التعليمية وازدادت معها الحاجة إلى عمليات التقييم والمراجعة المستمرة، وفيما يلي نتعرض لطبيعة التعليم العالي في الدنمارك.
طبيعة التعليم العالي في الدنمارك:
تتم إدارة التعليم بواسطة وزارة التعليم العالي، إلا أن بعض البرامج في مثل هذا المجال مثل الأدب والعمارة والهندسة تخضع لسلطة وزارة التعليم الدنماركية ويتم تمويل التعليم بواسطة الدولة، وعلى نفقة الطالب في بعض الجامعات، ويتميز التعليم العالي في الدنمارك بهيكلة غير الهيراركي الذي يعتمد على الفصل بين قطاع التعليم الجامعي والتعليم غير الجامعي والبرامج المهنية.
ويتكون التعليم غير الجامعي من المؤسسات المهنية الصغرى حيث يتم تقسيم القطاع إلى قطاع فرعي غير جامعي ويتضمن دائرة صغرى من التعليم العالي، ودائرة وسطى أيضاً وقطاع الجامعة الذي يمثل دائرة كبرى من برامج التعليم العالي.
ومعنى ذلك أن الدنمارك قد نجحت في بناء نظام تعليمي جيد ومميز، ويتضح ذلك في القطاع غير الجامعي، حيث يوفر عدداً كبيراً من المؤسسات الدراسة لمدة زمنية مختلفة ومستويات متنوعة ويتضمن مجال الدائرة القصيرة للتعليم العالي ما يقرب من السبعين مؤسسة، و112 مؤسسة في الدائرة الوسطى و12 مؤسسة في الدائرة
الكبرى في حين أن وزارة الشئون الثقافية تدير 21 مؤسسة، سواء كانت على المدى المتوسط أو العالي.
وقد وضع قانون التعليم العالي في عام 1993م هيكلاً توصيفياً للجامعات ومؤسسات التعليم العالي المتمركزة حول البحث وقد أوضح هذا القانون الأهداف الرئيسية لإطار قطاع التعليم العالي وإتاحة الحرية للمؤسسات في المستوى الجامعي والسلطة لتنمية هذا الإطار وقد أكدت عمليات الإصلاح على تصنيف الهيكل الإداري لكل مؤسسة وتعديله لضمان جودة بيئة العمل وإيجاد مستوى جيد من التوازن بين الطلب والعرض للمؤسسة وسعتها، وأخيراً لتحسين جودة البرامج ومن ثم تتناسب مع المعايير الدولية بالإضافة لذلك فإن القانون يتضمن انتقال السلطة من وزارة التعليم إلى مؤسسات التعليم العالي، الحفاظ على ديمقراطية المؤسسة ولكن في ظل تقليل عدد المستويات الإدارية المسئولة عن إدارتها وأعضائها وبالفصل بين إدارة التعليم والبحث والتمثيل الخارجي في المجالس الجامعية، وأخيراً يعد تقدم النظم المالية هي حجر الأساس الأخير للإصلاح استناداً على ما يدفعه الطالب للمؤسسة.
وبالتالي فقد وضعت الحكومة بعض الأسس لتحقيق اللامركزية في التعليم وربطها ببعض الأساليب لضمان الجودة، وأصبح وزير التعليم مسئولا عن وضع إطار ومعايير لمتطلبات وحاجات عملية التسجيل ومحتوى البرامج المختلفة في حين أن بعض البرامج يتم وضع محتواها بواسطة المؤسسة نفسها وخاصة في المنهج والتخطيط، ومن أهم أهداف عملية الإصلاح أن التغيرات التي يتسبب فيها الإصلاح والضغوط من قبل الطلاب لا ينبغي أن تؤثر سلبياً على جودة البرامج وبالمثل فقد ساهمت بعض الإجراءات في تحقيق جودة التعليم وضمان الجودة من خلال مراكز التقييم وإعادة تنظيم نظم التقييم الخارجية وعلى الجانب الآخر تستقبل مؤسسات التعليم العالي سلطة حقيقية كنتيجة لقانون الجامعات الجديد، ومن ثم فقد أصبح الجهاز الإداري داخل هذه المؤسسات يواجه صعوبة في عملية صنع القرار، وسوف تساعد التقييمات النظامية المؤسسة بتوفير رؤية خاصة بجودة برامجها الدراسية، ويشكل التقييم الجيد الذي يعكس العلاقة بين الأهداف المؤسسية والحقائق الموجودة في الواقع القاعدة الرئيسة لتخطيط المهام.
المركز الدنماركي لضمان وتقييم جودة التعليم العالي:
وقد تم إنشاء هذا المركز في عام 1992م ، ويعتبر مؤسسة منفصلة عن وزارة التعليم، ويقوم بتقييم مستوى جودة الجامعات وبعض مؤسسات التعليم العالي، وتتلخص مهام المركز فيما يلي:
- القيام بعملية التقييم داخل مؤسسات التعليم العالي سواء الجامعات أو القطاع غير الجامعي.
- توفير ووضع الطرق الملائمة لتقييم البرامج.
- توجيه مؤسسات التعليم العالي نحو أهمية عمليتي التقييم وتحسين الجودة.
- دعم وتبادل الخبرات الدولية والقومية في تقييم النظم التعليمية وضمان جودتها فضلاً عن ذلك فإن هذا المركز يقوم بتقييم البرامج الجديدة بعد وضعها والبرامج الخاصة بوزارة التعليم.
أهداف وخبرات مركز التقييم:
تعد مهمة تقييم وتحقيق الجودة في مؤسسات التعليم العالي هي الأهمية الكبرى لمراكز التقييم التي تستند فيه عملية التقييم على رؤية واضحة وأسس محددة، ولكي يتم تحقيق هذا الهدف فإن من الضروري أن تكون تقييمات البرامج التعليمية
الفردية نظامية ومتغيرة بالإضافة إلى استنادها على مفهوم محدد جيداً، ولذا فقد أصبح تطوير ووضع نماذج للتقييم وطرقه هي أهم جزء في عملية التقييم التي تعتمد على التعاون مع المؤسسات الأخرى، ويستند المدخل الدنماركي للتقييم على عملية مكونة من أربع مراحل:
- التقييم الذاتي للبرامج التعليمية اعتماداً على البروتوكولات التي يقدمها المركز.
- المسوح الشاملة للأداء حول جودة البرامج التي يحصل عليها المستخدمين مثل الطلاب والخريجين والأفراد العاملين.
- الزيارات الميدانية التي تمثل جزءاً هاماً من التوثيق الشامل الذي يتم تحليله من قبل لجنة التقييم.
- نشر تقرير يقدم تحليلاً كاملاً لجودة البرامج على المستوى القومي بالإضافة إلى التحليل الفردي على مستوى المؤسسة.
بعد انتهاء هذه المرحلة يصبح جلياً أنه قد تم بناء وعمل نموذج يمكن أن تتقبله معظم مؤسسات التعليم العالي ومن الممكن أن يؤدي إلى نتائج مفيدة والإحساس بمدى جودة التقييمات الخارجية، ويمكن طرح بعض التفسيرات والتأويلات حول عملية التطوير، أولها نجاح المركز ي وضع وبناء قسم للعمالة بين الأفراد العاملين المهنيين في المركز وغيرهم ممن في المؤسسات التعليمية الأخرى، وتوجد بعض الجوانب التي يمكن ذكرها أيضاً ومنها:
- التوازن بين تحسين الجودة، والمحاسبية.
- الاتصال المستمر بين المركز ومؤسسات التعليم العالي.
- الالتزام بجودة التوثيق المرتبط بالتقنية.
- البدء في عملية التقييم بدون الاعتماد على محكات مسبقة للنجاح أو مؤشرات الجودة.
عملية التقييم:
لم تكن عملية التقييم محددة قبل إنشاء مؤسسة التقييم الدنماركية، حيث لم تكن هناك أسس واضحة يتم في ضوئها عملية التقييم، ولكن مع إنشاء المؤسسة تم تطبيق بعض المعايير التي تؤكد أن البرامج التعليمية بقدر الإمكان يتم معاملتها وتقييمها بنفس الطريقة وجعلها متاحة لتحليل ورسم النتائج من خلال عمليات التقييم المختلفة، وقد
تطلب ذلك التحول من طريق المعايير إلى عملية التقييم المؤسسي الشامل، وبالتالي فقد تنوعت عملية التقييم استناداً على مجالات الدراسة، فربما يتضمن التقرير المقرر كاملاً أو مواد منفردة والعلاقة بين المواد والمقررات والمؤسسة ككل والعلاقة بين الحكومة والسلطات المحلية كمسئولين وكمؤسسات على الجانب الآخر، وعلى الرغم من ذلك فسوف يعتمد التقويم على الأهداف القومية والمحلية.
وترتبط جودة عملية التقييم بالمدى الذي يتم نعده استخدام التوثيق في بناء قاعدة للنتائج والتوصيات، ويجب أن تكون البرامج الدراسية قادرة على تقبل الأسباب الرئيسة التي تستند عليها هذه النتائج، وبالإضافة لذلك فإن عملية التقييم متضمنة التوثيق يجب أن تساعد في تحقيق ضمان الجودة الداخلي المستمر، ومن ثم يجب أن تعتمد على قاعدة واضحة للتقييم ولتحقيق هذه الأهداف يجب إتاحة الفرص للأفراد العاملين للمشاركة في عملية التقييم على أن يكون هناك قائد مسئول عن عملية التقييم كلها وعن كتابة التقرير النهائي للمقيمين.
وجدير بالذكر أنه كلما كانت هناك خبرة بعملية التقييم الذاتي أدت عملية التقييم الذاتي دورها في تدريب وإعداد المؤسسة أو البرنامج لتحمل مسئولية تحقيق جودتها وكلما قل ذلك تم النظر إلى التقييم الذاتي على أنه مصدر لإنتاج المعلومات فقط للجنة الخبراء ويعد التقييم الذاتي هو المعيار الذي تستطيع المؤسسة في ضوئه تقييم أدائها حيث يوفر إطاراً لوضع مفهوم للجودة ويساعد المؤسسة في تحديد مدى تحقق رسالتها الإستراتيجية وأهدافها وتسمح لها ببناء خطة إجرائية للتطوير.
وفي السياق النوعي يجب استخدام التقييم الذاتي ليضع مزيداً من الضغوط على تحسين جودة البرامج الدراسية بهدف تحليل رسالتها وقيمها وأهدافها ونقاط القوى والضعف ولذلك فإن الهدف الثاني للتقييم الذاتي هو مد المؤسسة والبرامج الدراسية بالالتزام والإجراءات المطلوبة لاستمرارية ضمان الجودة، ومن المهم أن نؤكد على أن المنظور المستمر لجهود وإجراءات التقييم الذاتي أقل في توصيل المواد والمقررات لعملية الضبط، ولكنها أكثر إسهاماً في تحقيق الجودة.
ورغم ذلك فإن الخبراء لديهم مسؤولية مهنية عن الجزء الخارجي من التقييم، وتعد عملية الاختيار مهمة جداً، ولذا يجب أن يمتلك الخبراء المعرفة اللازمة والفهم الكامل لهدف التقييم مع مراعاة مدى استقلاليتها عن البرامج والمؤسسات المشاركة، وفي هذا السياق توجد سمة مشكلة التي يمكن أن تكون غاية في الصعوبة، وهي مدى موضوعية عملية التقييم وخاصة في التقييم التعاوني الذي يتم من خلال الأقران، ومن ثم يجب أن يتمتع هؤلاء الخبراء بخلفية قوية حول البحث الجامعي،و سوف تعكس هذه الممارسة مدى اهتمام القيادات بالتركيز على المستخدمين في التخطيط للتعليم العالي، ويتحقق ذلك عن طريق تناول اتجاهات كل من الطالب والخريجين والأفراد والعاملين كجزء من عملية التقييم، ولا يمكن اعتبار التقييم كوسيلة لقيادة مؤسسات التعليم العالي نحو سوق العمل، ومن ثم يجب إحداث نوع من التوازن بين
المستهلكين والمؤسسات بالطريقة التي لا ينظر فيها إلى تكامل واستقلالية هذه المؤسسات على أنها أمر حتمي.
وتعتبر المتابعة وإجراءاتها مسؤولية هامة ضمن مجتمع مؤسسات التعليم، وبمجرد انتهاء عملية التقييم تبدأ إجراءات عملية المتابعة بهدف تحقيق ضمان الجودة المستمر في البرامج الدراسية، فمن الضروري أن تلتزم المؤسسات نفسها بعملية المتابعة وإجراءاتها، لأنها ترتبط إلى حد بعيد بمدى نجاح عملية التقييم الذاتي، ونتيجة أخرى هي وجود ارتباط بين نتائج التقييم وبين اعتماد مؤسسات التعليم العالي.
وقد بذلت العديد من المحاولات بهدف تحقيق ضمان الجودة في التعليم العالي، ويكمن الهدف الرئيس في للإصلاح في التركيز على أهداف الجامعة الواحدة ونتائجها بدلاً من التركيز على الموارد لمستخدمة أو الميزانية والتنظيمات والإجراءات العامة، وسوف يتيح ذلك لكل جامعة إمكانية تنظيم نفسها في ضوء الوقف الذي توجد فيه، وفي سبيل تحقيق ذلك يمكن استخدام مؤشرات للأداء حول مدى ارتباط ضمان جودة التعليم بعملية التقييم الداخلي والخارجي، وتهدف هذه المؤشرات إلى توجيه الأداء الجامعي وتحسين العمل داخل منظومة الجامعة في المجالات المختلفة، حيث تستند على درجة عالية من الاستقلالية وحيث تظهر كل مؤسسة معاييرها وأهدافها الخاصة والتنظيمات من القمة للقاع والقيم الجديدة مثل الاتصال والاتفاق بدلاً من الضبط والمراقبة للجودة.
ولذا يجب أن تكون المؤشرات الأداء واضحة ومفهومة ومحددة تحديداً تاماً، وتقيس الأهداف التي وضعت من أجلها وأن تقوم مؤسسة ضمان الجودة باختيار المجالات الرئيسة التي يتم فيها وضع بعض الأهداف المحددة وعلى الرغم من ذلك فثمة عقبة قد تقف حائلا دون جودة عملية التقييم، وهي كيف يتم وضع إطار للتقييم والبحث في عملية الجودة ولذلك ينبغي وضع الخطط التي تهدف إلى تحقيق الجودة الداخلية.
وقد سعت الدنمارك إلى استخدام بعض السيناريوهات لاحتواء مشكلة كيفية تحقيق ضمان الجودة في التعليم من خلال:
- استخدام استراتيجيات قومية مع التركيز على تنظيم كل من موردي ومستقبلي التعليم.
- اعتماد الاستراتيجيات الدولية والمحلية على ضمان الجودة والاعتراف من قبل المؤسسات والوكالات الدولية.
- الاعتماد المتعدد وما يتضمنه من اعتراف دولة ومؤسسات التقويم والاعتماد القومية والهياكل التعليمية والاعتماد من قبل مؤسسات عالمية كمعتمدين.
وخير سبيل للدنمارك لكي تستطيع تحقيق جودة المؤسسات التعليمية أن تعيد هيكلة وهندسة هذه النظم في ضوء إجراءات ومعايير الاعتماد الأكاديمي والمؤسسي، ويمكن تناول الاعتماد كعملية تضمن أن التقييمات وإجراءاتها وضمان الجودة يتم ممارستها في النظام التعليمي على الرغم من أن ذلك قد يتجاهل نقطة مهمة وهي أن الاعتماد بصفة أساسية عملية تستند على بعض المعايير الواضحة والمحددة من قبل
مؤسسات الاعتماد العالمية التي تضع محكات ومؤشرات ودلالات يتم استخدامها في توجيه وتقييم أداء المؤسسات ومن ثم الحكم على مدى تطبيق هذه المؤسسات للمعايير أو لا.
ويتطلب ذلك أيضاً إنشاء مؤسسة قومية لعملية التقييم لا تقتصر مهمتها فقط على تقييم مؤسسات التعليم العالي، بل تتخطى ذلك إلى تحقيق ضمان الجودة في جميع مستويات النظام التعليمي بالإضافة إلى التعليم المستمر والتعليم الإضافي وتعمل في ضوء توجهات مؤسسات الاعتماد العالمية ومؤشرات جودة الأداء التي يتم في ضوئها الحكم على مدى إمكانية تحقيق المؤسسة لضمان الجودة.