ضوابط التواصل الإلكتروني :
ضوابط التواصل الإلكتروني :
إن علاقة الضوابط الدينية باستخدام شبكة المعلومات بصفة عامة وشبكات التواصل الاجتماعي بصفة خاصة تعتبر علاقة مقدسة، تستوجب تقدير الإنسان لها بوصفها أمانة، ولعظم دوره في حفظ هذه الأمانة، ومنها العلم، فقد حمل البعض هذه الأمانة وحفظها بإخلاص، وهداه الله عز وجل إلى تلك الضوابط الدينية التي يهتدي بها في تعامله معها، أما البعض الأخر فقد خانوا الأمانة وظلموا أنفسهم واتبعوا الشيطان واتبعوا الهوى.[1]
وتجدر الإشارة أن هناك مجموعة من الضوابط الدينية التي يجب أن يراعيها طلاب التعليم الثانوي أثناء عملية التواصل الإلكتروني فيما بينهم من خلال مواقع التواصل الإجتماعي، تلك الضوابط تتمثل في الحفاظ على الضروريات أو الكليات الخمس التي أمرنا الله سبحانه وتعالى بالحفاظ عليها وهي (الدين والنفس والعرض والمال والعقل).
قال الشاطبي: "تكاليف الشريعة ترجع إلى حفظ مقاصدها في الخلق، وهذه المقاصد لا تعدو ثلاثة أقسام :
أحدها: أن تكون ضرورية
والثاني: أن تكون حاجية
والثالث: أن تكون تحسينية
فأما الضرورية : فمعناها أنها لا بد منها في قيام مصالح الدين والدنيا بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة، بل على فساد وتهارج وفوت حياة، وفي الأخرى فوت النجاة والنعيم والرجوع بالخسران المبين... ومجموع الضروريات خمس وهي: حفظ الدين والنفس والنسل والمال والعقل".[2]
وقال الغزالي: "ومقصود الشرع من الخلق خمسة : وهو أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم؛ فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوت هذه الأصول فهو مفسدة، ورفعها مصلحة. وهذه الأصول الخمسة حفظها واقع في رتبة الضرورات، فهي أقوى المراتب في المصالح".[3]
الأدلة على مراعاة الضروريات أو الكليات الخمس :
أ- من الكتاب :
قال تعالى: {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِٱلْوٰلِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلَـٰدَكُمْ مّنْ إمْلَـٰقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلْفَوٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِى حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقّ ذٰلِكُمْ وَصَّـٰكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ إِلاَّ بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ بِٱلْقِسْطِ لاَ نُكَلّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَٱعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ}[4]
ففي هذه الآيات تظهر العناية بحفظ هذه الضرورات ظهوراً جلياً واضحاً.
فقد جاء في حفظ الدين نهيه سبحانه عن الشرك به، وجاء في حفظ النفس قوله تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلَـٰدَكُمْ مّنْ إمْلَـٰقٍ}، وقوله تعالى : {وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِى حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقّ}، وجاء حفظ النسل في قوله : {وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلْفَوٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ}، ومن أعظم الفواحش الزنا الذي وصفه الله بأنه فاحشة في قوله : {وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزّنَىٰ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً}، وجاء حفظ المال في قوله : {وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ إِلاَّ بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ}، وقوله : {وَأَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ بِٱلْقِسْطِ}، وأما حفظ العقل فإنه يؤخذ من مجموع التكليف بحفظ الضرورات الأخرى؛ لأن الذي يفسد عقله لا يمكن أن يقوم بحفظ تلك الضرورات كما أمر الله، ولعل في ختام الآية الأولى: {ذٰلِكُمْ وَصَّـٰكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} ما يدل على ذلك.[5]
وجاء ما يدل على حفظ الدين في قوله : {وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّـٰهُ}. وجاء حفظ المال في قوله : {وَءاتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ} وقوله : {وَلاَ تُبَذّرْ تَبْذِيرًا}. وجاء حفظ العرض والنسل في قوله : {وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزّنَىٰ} وجاء حفظ النفس في قوله : {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ} وقوله : {وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِى حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلحَقّ} وأما حفظ العقل فإنه يؤخذ من مجموع التكليف بحفظ الضرورات الأخرى. [6]
ب- من السنة :
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اجتنبوا السبع الموبقات) قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: (الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات).[7]
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هَا هُنَا وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، بِحَسْبِ امْرِئٍ مِن الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ.
قال عبد الله قادري : "وقد سمى صلى الله عليه وسلم الاعتداء على هذه الأمور موبقاً أي مهلكاً، ولا يكون مهلكاً إلا إذا كان حفظ الأمر المعتدى عليه ضرورة من ضرورات الحياة".[8]
وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وحوله عصابة من أصحابه: (بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوا في معروف، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئاً ثم ستره الله فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه) فبايعناه على ذلك.[9]
قال عبد الله قادري: "فقد بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه على حفظ هذه الضرورات، وهي حفظ الدين في قوله: {أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً} وحفظ النفس في قوله: {وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِى حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلحَقّ} وحفظ النسل والنسب والعرض في قوله: {وَلاَ يَزْنِينَ} وقوله: {وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهُتَـٰنٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ} وحفظ المال في قوله: {وَلاَ يَسْرِقْنَ}".[10]
ج- استقراء أدلة الشرع :
قال الشاطبي: "فقد اتفقت الأمة بل سائر الملل على أن الشريعة وضعت للمحافظة على الضروريات الخمس وهي: الدين والنفس والنسل والمال والعقل، وعلمها عند الأمة كالضروري، ولم يثبت لنا ذلك بدليل معين ولا شهد لنا أصل معين يمتاز برجوعها إليه، بل علمت ملاءمتها للشريعة بمجموع أدلة لا تنحصر في باب واحد".[11]
2- طرق المحافظة على الضروريات :
قال الشاطبي : "والحفظ لها يكون بأمرين :
أحدهما: ما يقيم أركانها ويثبت قواعدها، وذلك عبارة عن مراعاتها من جانب الوجود.
والثاني: ما يدرأ عنها الاختلال الواقع أو المتوقع فيها، وذلك عبارة عن مراعاتها من جانب العدم.
فأصول العبادات راجعة إلى حفظ الدين من جانب الوجود كالإيمان والنطق بالشهادتين والصلاة والزكاة والصيام والحج وما أشبه ذلك، والعادات راجعة إلى حفظ النسل والمال من جانب الوجود، وإلى حفظ النفس والعقل أيضاً لكن بواسطة العادات.
والجنايات ويجمعها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ترجع إلى حفظ الجميع من جانب العدم".[12]
وفي هذا الإطار، يجب أن تتم عملية التواصل الإلكتروني بين طلاب التعليم الثانوي عبر مواقع التواصل الإجتماعي (فيسبوك وتويتر ويوتيوب والبريد الإلكتروني) بما لا يخل بأي من هذه الكليات أو الضروريات الخمس وبما لا يضر بإحدى هذه الكليات، إعمالاً للآيات القرآنية والأحاديث النبوية السالف ذكرها وإعمالاً للقاعدة الشرعية الأصيلة "لا ضرر ولا ضرار" وكذلك وفقاً لما اتفقت عليه الأدلة العقلية في هذا الشأن.
كما تجدر الإشارة أن هناك مجموعة من الضوابط الأخلاقية والإجتماعية والثقافية التي يجب أن يراعيها طلاب التعليم الثانوي بالمملكة العربية السعودية أثناء عملية التواصل الإلكتروني فيما بينهم من خلال مواقع التواصل الإجتماعي المذكورة سلفاً، ومنها [13] :
· طلب العلم النافع والعمل على إيجاد وتنشئة المواطن الإنترنتي الصالح.
· تحرى الصدق والموثوقية والأمانة في طلب البيانات والمعلومات وتداولها.
· المعلومات التي يتم تداولها للبث والنشر والإتاحة وليست للكتم أو الحبس.
· حماية حقوق الملكية الفكرية وقوانين الفضاء الإلكتروني.
· بيانات ومعلومات الإنترنت من أجل التواصل والتعارف والتعاون على الأصعدة الوطنية، والإقليمية والعالمية.
· كفاية أمن البيانات والمعلومات وسريتها في بعض الأحيان ومراعاة الخصوصية واحترامها.
· اتخاذ كافة التدابير الوقائية لحماية أفراد المجتمع وجماعاته من البيانات والمعلومات الضارة والملوثة.
· مراعاة أن أخلاقيات عملية التواصل الإجتماعي عبر شبكة الإنترنت تستمد مبادئها وقواعدها وضوابطها من التشريع الإلهي، وعادات المجتمع وتقاليده وأعرافه خاصة تلك التي لا تتعارض مع التشريعات الإلهية.
· الالتزام بالقيم الاجتماعية والأخلاقية والثقافية بما يجعلهم يحرصون على انتمائهم وأصالتهم، وبالتالي نضمن تحصين طلاب التعليم الثانوي بالمملكة من السلوكيات المستوردة والغريبة وحمايتهم من الغزو الثقافي المخالف لثقافتنا الإسلامية.[14]
· عدم الإفراط في ارتياد مواقع التواصل الإجتماعي وتنظيم أوقات خاصة للإفادة من هذه الأجهزة بدلاً من استهلاك الوقت المخصص للدراسة والحياة الاجتماعية.
· احترام العلم والمعارف والقيم وحقوق الإنسان وضرورات الاتصال والحوار, واحترام الآراء المخالفة, وحل المشكلات من خلال استخدام أساليب بعيدة عن القهر والالتزام والعنف والتهديد. [15]
· التحلي بالفضيلة ونشر القيم الدينية وتنمية هذه القيم في نفوس الشباب وبين أفراد المجتمع ليبقى المجتمع الإسلامي مجتمع متماسك وقوي وقادر على مواجهة الأخطار والقيم الوافدة.
· الثبات والتصدي للاتجاهات الغريبة من خلال العمل المستمر على توضيح موقف الدين من القضايا المعاصرة والمشكلات الحياتية التي يعيشها طلاب التعليم الثانوي.
· الحفاظ على هوية الأمة الاسلامية والثقافية وشخصيتها الذاتية وعدم الانسياق وراء أخطار العولمة، والذي يمكن أن يحدث من جراء عملية التواصل الالكتروني.[16]
· الالتزام بالقيم الثقافية الإسلامية الجادة والتي تتسم باحترام القواعد الدينية والأخلاقية والقيم السليمة المتمثلة بالنزاهة والحوار والإخلاص والصراحة ......الخ.
[1]- رهان حمد علي. (2006). التأثير السلبي للإنترنت على الشباب وقيمهم الإسلامية، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية الشريعة، جامعة اليرموك.
[2]- إبراهيم بن موسى الشاطبي. الموافقات في أصول الشريعة، تحقيق : عبد الله دراز، دار المعرفة – بيروت، (2/17-18).
[3]- محمد بن محمد الغزالي. (1413هـ). المستصفى في علم الأصول، تحقيق : محمد عبد السلام عبد الشافي، دار الكتب العلمية – بيروت، (2/482).
[4]- سورة الأنعام : 151، 152.
[5]- عبد الله قادري الأهدل. (2004). الإسلام وضرورات الحياة ، المدينة المنورة، ص 16- 17.
[6]- عبد الله قادري الأهدل. (2004). مرجع سابق، ص 18 – 19.
[7]- أخرجه البخاري في كتاب الوصايا، باب قول الله تعالى : {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً} (2615)، ومسلم في الإيمان (89).
[8]- عبد الله قادري الأهدل. (2004). مرجع سابق، ص20.
[9]- أخرجه البخاري: كتاب الإيمان، باب علامة الإيمان حب الأنصار (17)، ومسلم في الحدود (1709).
[10]- عبد الله قادري الأهدل. (2004). مرجع سابق، ص 21.
[11]- إبراهيم بن موسى الشاطبي. مرجع سابق، (1/31).
[12]- إبراهيم بن موسى الشاطبي. مرجع سابق، (2/18- 20).
[13]- محمد مجاهد (2009): أخلاقيات التعامل مع شبكه المعلومات، مجلة المكتبات والمعلومات العربية، العدد 11، ص 127.
[14]- شذى سليمان الدركزلي. (2007). الانترنت : ثروة الإتصال عبر الانترنت في العلاقات الاجتماعية (دراسة ميدانية في المجتمع القطري)، مجلة جامعة دمشق – المجلد (24)، العدد الأول والثاني.
[15]- احمد عبد الرحمن. (2009). الإسلام والعولمة، الكويت، الدار القومية العربية، الطبعة الثانية، ص ص 63-68.
[16]- وهبة مصطفى الزحيلي. (2011). العولمة والأخلاق، مجلة الأمن والحياة، العدد 238، مايو / يونيو، ص ص 96-99.