فلسفة الاخلاق
فلسفة الاخلاق
ليست الفلسفة حديثا حافلا بالغموض تثير مشكلات لا علاقة لها بالواقع ولا هي كنز من الأسرار يستعصي على العقل فهمه ، واكنه مرشد الفكر يشحذه الإبداع ويلقي الأضواء على كثير من الأفكار التي يسلم بها أكثر الناس بغير نقد ولا اختيار 0
ومن هنا كانت الفلسفة ذلك الطابع الذي يجعلها تحليلا للفكر أكثر منها تركيبا وتأليفا بهذا المعنى عرفها اليونان القدماء فأطلقوا عليها هذا الاسم ومعناه محبة الحكمة لأن الكلمة لا تتم للإنسان وإنما حسبه ان يسعي إليها فيتساءل ويناقش ليرضي حاجته للمعرفة ذاتها 0
ولقد أوتى أقوام كثيرة من قبل اليونان ومن بعدهم علما وفكرا وحضارة وفنا ولكن الحكمة التي اختص بها اليونان كانت فريدة من نوعها واليها وحدها ينصرف اسم الفلسفة بمعناها الدقيق (1)
وقد لبثت الفلسفة طويلا وهي تقترن في الأذهان بنوع من العبارات يختلف عما آلف الناس في حياتهم العملية وحياتهم اليومية على السواء ، فلم يكن على الفيلسوف من حرج ان يتأمل بخالص فكره هذا الكون الذي نعيش فيه بغية الوصول إلى حقيقته غير مستند في ذلك إلى عين أو أذن حتى إذا ما حدس الحقيقة المنشودة دسا أخرجها للناس في طائفة من ألفاظ عربية يسلكها في عبارات لغوية (2)
من الممكن النظر إلى الفلسفة بإحدى الطريقتين : فأما تعد نشاطا عقليا منعزلا وإما ان تعد مرشدا في الحياة 0
اما الطريقة الأولى فلها مزايا متعددة إذ أننا لو نظرنا إلى الموضوع على هذا النحو لكنا أقل تعرضا لأخذ بحثنا و أجابتنا أو أنفسنا مأخذ الجد الزائد عن حده 0 بل اننا نستطيع عندئذ ان نكون اقرب إلى نظرة العالم إلى مشكلاته في العمل 0 ولو مضينا في بحثنا بهذه الطريقة الأكثر موضوعية 0 لكان احتمال وصولنا إلى نتائج تتفق مع الطبيعة الفعلية للأشياء أقوى منا لو جعلنا الفلسفة بديلا للعقيدة واتخذناها مرشدا في الحياة 0 فلو أقبلنا على الفلسفة من وجهة النظر الثانية هذه 0 لكان هناك على الدوام احتمال في ان تتلون الصورة التي نكنها عن الواقع بلون مستمد من آمالنا ومخاوفنا 0
ففي هذه الحالة قد تتدخل قلوبنا في عمل عقولنا وعندما ننتهي من تكوين نظرتنا إلى العالم فقد لا تكون النتيجة إلا إسقاطا لطبيعتنا البشرية بما يتميز به من عناصر قوة وضعف على شاشة الكون (2)
ويعتبر التأمل والخلوة إلى الذات من أهم شروط التفلسف على انه يجب ونحن بصدد هذا الكلام عن الفلسفة ومواقفها ان نستعرض المحاولات القديمة التي ساقها الحكماء الأولون والفلاسفة المحدثون لتعريف هذا التراث محاولين بذلك ما وسهم الجهد ان يقتربوا عن كثب من مضمون الفلسفة عند الحكماء هي " حب الحكمة " وقد شرح لنا افلاطون معنى الحكمة في محاورة " المأدبة " وفي محاورة " فيدروس" وذكر ان هذا الحب لا يتجه إلى الأشخاص فحسب بل يتعلق أيضا بالأشياء والأفكار فكان ثمة حبا يرتبط بالفكر فيتجه الى طلب الجمال بالذات خلال نفوسنا وأجسامنا الجزئية 0
فالحب عند " أفلاطون " شرط جوهري للتفلسف ولفيلسوف هو المحب الصادق الذي يهيم عشقا بالجمال بالذات ، المطابق الخير بالذات ، وإذا جردنا هذا الشعور من لونه الأفلاطوني يتخذ صورة أخرى عن الفيلسوف كانت Kant 0
يتكلم " كانط" عن الميل الميتافيزيقي الذي يدفع بنا رغم أنوفنا إلى ان نتفلسف وإلى ان نطلب الفلسفة ونناقش مشكلات الميتافيزيقا رغم ان هذه الموضوعات لا تعدو ان تكون مجرد صيغ جوفاء ليس لها أي محتوى خارجي – حسب رأية – وليس من الصعب ان نربط بين الحب والميل فكلاهما يعبر عن حاجة للنفس وعن مطلب تفتقده فتتجه الى طلبه وتحقيقه 0
ويتفق مع هذا الاتجاه ما ذكره الفيلسوف " شوبنهور" من ان الانسان ( حيوان ميتافيزيقي ) أي ان الصفة الغالبة التي يتصف بها الانسان ليست هي المنطق فحسب كما يذكر "أرسطو" ولكنها الميل الدائم الحثيث إلى مناقشة المشكلات الفيزيقية والتعرض لمدلولاتها 0
فكأن الانسان ميتافيزيقي بالطبع لأنه دائم البحث في مشكلة وجوده يتفق في ذلك الجاهل والمتعلم والكبير والصغير على السواء ، إنما يختلف الأسلوب عند كل بحسب درجة ثقافته أو درجة نضجة 0
ويعرف أرسطو الفلسفة بأنها دراسة الوجود بما هو موجود أو دراسة العلل والمبادئ الأولى للأشياء ، وليس هناك شك في ان هذا التعريف الارسطي يجعل من الفلسفة علما كسائر العلوم الاخرى 0
ويقول صمويل الكسندر ان الفلسفة تستهدف التساوق في الوجود مع الاشياء 0 ويقول هيدجر أيضا ان الفلسفة تستهدف التواجد مع الأشياء 0
والفلسفة تراث إنساني نتميز عن معارفنا الاخرى في أنها نتيجة لرغبة طبيعية في الانسان تدفعه إلى طلب الحقيقة لذاتها بقطع النظر عن المنفعة العملية وهذا ما عناه كل من سقراط وأرسطو وأفلاطون بالفلسفة وإن كانت الفلسفة قد اتجهت وجهة عملية أخلاقية عند الرواقيين بحيث يعرفها ششرون من هذه الناحية بأنها العلم بأفضل الاشياء والقدرة على الانتفاع بكل وسيلة ممكنة 0
الفلسفة إنتاج فردي وعمل شخصي لا يتسم بالموضوعية الخالصة كما هو الحال بالنسبة للعلمين الرياضي والطبيعي ، وان المذهب الفلسفي ليس سوى محاولة شخصية للتفسير ولهذا فليس ثمة تعريف جامع مانع للفلسفة 0
ولقد أشرنا بطريقة مجملة إلى بعض تعريفات الفلسفة عند القدماء والمعاصرين وسوف نتتبع الآن التحول التدريجي في تعريفات الفلسفة منذ بداية العصر الحديث من خلال استعراض طائفة أخرى من التعريفات 0
فالفلسفة عند ديكارت ( 1596-1650) هب العلم بالمبادئ الأولى 0 والعلم الكلي الشامل وكان ابو الفلسفة الحديثة يطلق اسم الفلسفة على مجموعة العلوم ويشبهها بشجرة أصلها علم ما وبعد الطبيعة وساقها علم الطبيعة والفروع الخارجية من هذه الساق هي سائر العلوم ويمكن حصرها في ثلاث هي الطب ، والميكانيكا وعلم الاخلاق وغاية الفلسفة عند ديكارت تحقيق سعادة الانسان 0
أما فرنسيس بيكون( 1561-1626) فقد كان يرى الفلسفة علم وليد العقل أو القوى العاقلة في الانسان ، وهي تقدم لنا تفسيرا ومعنى للكون عن طريق الملاحظة والتجربة ، وغاية الفلسفة السيطرة على قوى الطبيعة والتحكم في مواردها لتحقيق سعادة الانسان 0
وعند (هوبز) 1588-1679 نجد الفلسفة هب العلم بالروابط العليا للأشياء 0
ومهمة الفلسفة كريستيان وولف 1679-1754 هي الوصول إلى أعلى المبادئ التي يمكن استنتاج حقائق العلم منها 0 ويرى كانت Kant 1724-1804 ان الفلسفة هي المعرفة النظرية المستمدة من التصورات 0 ويعرف هيجل ( 1770-1831) الفلسفة بأنها المعرفة والبحث في المطلق 0
وأهم تعاريف معاصر للفلسفة هو تعريف أوبرفج لها (1826-1871) " بأنها العلم بالعلل والمبادئ" وقد وافقه الكثيرون من المحدثين على ذلك وقصروا البحث في الفلسفة على المعرفة والمنطق 0 أما وندت فأنه يرى ان مهمة الفلسفة هي التوحيد بين جميع المعارف التي نكتسبها في العلوم الجزئية ووضعها في نظام واحد مترابط فالفلسفة بهذا المعنى هي مجرد بحث تابع للعلوم الجزئية يمكن الاستغناء عنه 0
أما رسل Russel فانه يرى ان أي تعريف للفلسفة يختلف اختلافا باختلاف الرأي الذي نعتنقه بصددها وكل ما نستطع ان نقوله : ان هناك مجموعة من المشاكل يجدها بعض الناس مثيرة للاهتمام وهي في نفس الوقت لا تختص بعلم دون آخر هذه المشاكل كل تثير في نفوسنا شكوكا حول معرفتنا على وجه العموم والإجابة على هذه الشكوك تعتبر إنتاجا فلسفيا 0
وعلى هذا الأساس فأول خطوة في تعريف الفلسفة – على رأي رسل – هي الإشارة إلى هذه الشكوك مع تجاهل المشاكل التي تعلو على مستوى قوانا الادراكية 0 وهو يعتقد أيضا ان الفلسفة إنما تنشأ من رغبة قوية ملحة تستهدف الوصول إلى المعرفة وان الفلسفة تصحح عيوب معرفتنا العادية (4)