كيف نقرأ ونتذوق عم
كيف نقرأ ونتذوق عملا فنيا تشكيليا
حتى أواخر القرن التاسع عشر الميلادي كان الحكم على الفنون يتم بمقاييس وأسس جمالية ترجع الى الفنون الكلاسيكية ، الفن الإغريقي والروماني ، وفنون عصر النهضة في أوربا 0 وتنطوي هذه الفنون على اعتقاد بأن الجمال والنمط المثالي للتعبير يتميز ببناء يسمو على الجنس الإنساني لأنه قائم على أسس ونظم عقلية ورياضية 0 وبأن للجمال قانونا أو نموذجا مثاليا يقبله العقل في تطلبه للكمال وهي الصفة الغالبة في التفكير الكلاسيكي 0 وقد بدأت هذه الفنون مع الرغبة في تسجيل ما تراه العين على نحو ما تسجله مطابقا للواقع ، وكان مطلوبا من الفنان الا تكون صورته أو عمله الفني مخاطبا للمشاعر بانسجامها وإيقاعها المتناسق فقط ، وإنما تكون أيضا مطابقة لمظهر العالم الواقعي الخارجي 0
هذا ولقد رفض رواد الفن في القرن العشرين رفضا باتا الأساليب السابقة وما يرتبط بها من قيم جمالية ومعايير وقواعد بما في ذلك الطرز اليونانية والرومانية والبيزينطية والقوطية وعصر النهضة والباروك والرومانسية 0 لأن هذه الطرز لم تعد تصلح موجهة للإبداع الفني المعاصر أو تصلح كمعايير جمالية حاولت هذه الطرز تفسيرها0
ولذلك عند الحديث عن تذوق الفنون الحديثة يجب ان نخلص أنفسنا من التفكير الإكاديمي ونقترب من المفهوم الجديد للفن الذي أرسى دعائمه نقاد الفن في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين – حينما أعيد تقييم وتذوق فن الإنسان البدائي وفنون الأطفال والفن الأفريقي والفنون الشعبية ، والفن التعبيري الفطري حيث تم اكتشاف وتأسيس عالم فني جديد يعتمد على القيم الجمالية للشكل ، والتعبير التلقائي والبنائي اللوني الرصين ، وعلى الأشكال النضرة والحيوية الغنية التي تقدمها تلك الفنون السابق ذكرها 0
وهذا التعبير والتحوير مستمر للأشكال المألوفة عن طريق قوى حيوية غريزية للفنان0 تستند إلى التصميم التشكيلي الجمالي بناءاٌ على عناصره وأسسه وقيمه ، وأصبح المتذوق لا ينظر للفن كمدرك عقلي مثالي للوصول إلى الكمال الفكري كما يتحقق ذلك في الفنون الكلاسيكية ولكنه ينظر إلى الفن كمرحلة هامة في التاريخ المثالي للجنس البشري 0 والفن الحديث يبحث عن كل شيئ كامن تحت الظواهر ، أو أنه رمز تشكيلي يكون أكثر دلالة على الحقيقة من أي نسخ مطابق للأصل ، فهو يقدم الرمزي بدلا من الوصفي ويجعل شعورنا بالمتعة البصرية موضوعيا ، وهو يجعلنا نشاركه جمال الحوار ، يبعد عنا عناء التلقي السطحي المحدود 0
ومازال الكثير من المشاهدين والمتذوقين في مجتمعنا نتذوق ونحكم على الأعمال الفنية الحديثة بوجهة نظر نموذج الجمال المثالي الذي تحقق في الفنون الكلاسيكية – وحتى يتاح لنا تذوق الفن الحديث يجب ان تكون لدينا الرغبة الحقيقية في تشجيع هذه الفنون ولا نسمح للجمود بإقامة حوائط حول عقولنا وأفكارنا تحول بيننا وبين الفهم الواعي العاقل لكل ما هو جديد مبتكر 0 وللفن طريقتين في نقل التي يحسها الفنان ، طريقة الرؤية العقلية وهدفها الجمال المطلق ، وطريقة التعبير الانفعالي وهدفها نقل الشعور الوجداني إلى المشاهد أو المتذوق 0
ونلخص المقدمة في أن تذوقنا للفنون التشكيلية والأعمال الفنية الحديثة لا يعتمد على أسس للنقد الفني والجمالي تساعدنا على تذوق ونقد عملا فنيا تشكيليا ، وأن حكمنا يكون في العادة بناء على نقد انطباعي ذاتي غير متصف بتقسيم الموضوع الجمالي أو العمل الفني وتقييمه تقييما معيارا جاداٌ 0 وهذا فسر سر تفضيل بعض المتذوقين لما يسمى بالأعمال القريبة من الطبيعة أو الصور الطبيعية – حيث يفضل هؤلاء المتذوقين عدم الإفراط في الإطلاع على أي شيء حتى يظل إدراكهم في مرتبة أدنى وأكثر طواعية وبحيث يستطعيون الربط بين انفعالاتهم وما يشاهدونه والربط بين الأشياء التي يفضلونها منها وبين ما هو متعارف عليه ومقبول وسائر في المجتمع من عادات وتقاليد وقيم وأعراف 0