كيفية مواجهة التحديات التكنولوجية للتعليم في الوطن العربي:
كيفية مواجهة التحديات التكنولوجية للتعليم في الوطن العربي:
من الضروري تكرار القول بأن العرب الآن لم يكونوا النظرة الصحيحة إلى مسألة التكنولوجيا وإلى إمكانية نقلها قبل التوصل إلى إمكانية ابتكارها محلياً فلا تزال نظرة العرب إلى التكنولوجيا بأنها عبارة عن انتقال الآلات والمعدات من العالم الصناعي المتقدم مع الخبراء والفنيين إلى الأقطار العربية وبالتالي يسود الاعتقاد بأنه يمكن شراء كل هذه الأمور بالأموال إذا ما توفرت وهذا ما يؤكد أن العرب شعوباً وحكومات لا يزالون على حد تعبير أحد الباحثين العرب المهتمين بالموضوع يعيشون في حالة (جاهلية أو أمية تكنولوجية ) وبأننا بحاجة حقاً إلى جهد تنوير اجتماعي كبير وعملية محو أمية تكنولوجية لمجتمعاتنا كما أن العرب لا يزالون يخلطون بين العلم والتكنولوجيا ويظنون أن التقدم الكمي في المجال الأول زيادة عدد المدارس والطلاب الخريجين يؤدي بالضرورة وتلقائياً إلى تقدم تكنولوجي بنفس المستوى والوتيرة ) .
إن أول ما يحتاجه العرب في هذا المجال وفي غيره من المجالات هو ثورة فكرية قيمة تغير نظرة الإنسان العربي إلى نفسه وإلى علاقته بالمجتمع وبالكون بحيث يتحرر من كل الأغلال الفكرية والمادية التي حجمت عقله وقدرته على الإبتكار منذ القرن الحادي عشر الميلادي وبالأخص منذ بداية الاحتلال العثماني وتتمثل هذه الثورة الفكرية في جعل الإنسان أثمن وأنبل ما في هذا الوجود .... القيمة العليا , ويتطلب الأمر كذلك إنشاء نظام تربوي يجسد هذه القيمة العليا ويضيف إليها منذ سن مبكرة للطفل روح المبادرة والإبداع وحب العمل المتقن والانتظام والمنهجية العلمية العقلانية وغيرها التي تخلق الإنسان القادر على التعامل مع متطلبات التنمية الشاملة والتغلب على تحدياتها الهائلة ويتطلب الأمر قبل هذا وذاك حكومة وقيادة تؤمن أيمانا راسخاً بهذه القيم وتعمل على تثبيتها في النظام التربوي وفي تعاملها مع الناس بحيث تظهر واضحة في تعامل الناس فيما بينهم على شتى المستويات التثقيفية والاقتصادية والاجتماعية, فقط بعد بروز مثل هذه القيم يصبح بإمكان الدول العربية الدخول في المراحل الأولى من الثورة العلمية -التكنولوجية , إذ من الملاحظ أنه ما من دولة في العالم تقدمت في يومنا هذا إلا بعد أن نجحت في إحداث ثورة قيمية في مجتمعاتها . وكما لاحظ بحق أحد الباحثين العرب فإن الأيديولوجية الحديثة ليبرالية كانت أو ماركسية موصولة وصلاً عضوياً بمنهجية علمية. وعلتنا الأيديولوجية الرئيسية كعلة أكثر المتخلفين هي أن تعبيراتنا الأيديولوجية غير موصولة بعد وصلاً علميا خلاقاً بمناهج علمية حديثة ولذلك تبدو أيديولوجيتنا وكأنها لاهوت جديد... فالتخلف هو في جوهره تخلف عقلي وخلقي منهجي ... وتحول(العقل العربي ) نحو المنهج التجريبي لا يقطعه عن ماضيه أو عن ذاته بل يصله بأحسن ما في الماضي من أصول منهجية علمية تجريبية كما جسدها بوضوح العلماء العرب في زمان جابر بن حيان .
وإذا كان من غير الممكن للعرب أن يحققوا تطور في أي مجالات الحياة الهامة دون تحقيق الثورة القيمية التي تكلمنا عنها , فمن الضروري القول أن مثل هذه الثورة لا تأتي في فراغ . بل لا بد من توفر قاعدة اقتصادية تكنولوجية مناسبة لكي تخلق الطلب على هذه الثورة القيمية , إذا جاز التعبير .
إلا أنه لا يمكن خلق مثل هذه القاعدة الوطنية في غياب القيم المناسبة و وهنا تبدو بوضوح الحلقة المفرغة أو المأزق الذي تعيشه الدول العربية والكثير من الدول النامية الأخرى. وهي تحول عبثاً الخروج من وضعها البائس الحالي , ومن هنا نفهم لماذا جاءت نتائج الانقلابات والثورات وتجارب التنمية والعمل العربي المشترك التي عرفتها الدول العربية خلال العقود الثلاثة الأخيرة(حتى كتابة المرجع) مخيبة للآمال ولا تتناسب على الإطلاق مع الأمانات المادية والبشرية المتاحة ولا مع طموحات الشعوب العربية والتي وصلت اليوم إلى نقطة تكاد تفقد معها كل طموحاتها .
بانتظار الظروف الموضوعية التي تسمح بإحداث الثورة القيمية المطلوبة كل ما يستطيع المرء أن يقترحه في مجال تحسين الوضع التكنولوجي العربي الحالي لا يمكن أن يتعدى مستوى الجزئيات التي وإن كانت عاجزة في حد ذاتها عن إنقاذ المركب العربي من الغرق فإنها قادرة على المساهمة في تأخير لحظة الغرق ريثما تتوفر ظروف مناسبة لإحداث نهضة عربية شاملة قادرة على إنقاذ المركب العربي وبناء أساطيل جديدة بكاملها .(2)
وأهم أسباب النهضة المرجوة هو الاهتمام بالتعليم العام والعالي حتى نصل للمطلوب.