لصناعات الصغيرة،
شهدت السنوات الأخيرة اهتماما متزايدا بالصناعات الصغيرة، حتى أصبح ينظر إليها على المستوى المحلي والعالمي بأنها العمود الفقري للإنتاج، وطوق النجاة للخروج من الأزمات الاقتصادية، لقدرتها العالية على تنمية الاقتصاد، وتحديث الصناعة، ومواجهة مشكلة البطالة المتصاعدة، وإعداد قاعدة عمالية، وتفعيل مشاركة المرأة، وخلق روح التكامل والتنافس بين الصناعات ، وتطوير المستوى المعيشي للأفراد، وتضييق الفجوة بين الادخار والاستثمار، وتوسيع قاعدة الملكية للقطاع الخاص، وزيادة الصادرات، والإحلال محل الواردات، إضافة إلى مساهمتها الفعالة في زيادة معدلات النمو الاقتصادي وزيادة الدخل ودعم الإنتاج القومي، مما ينعكس إيجابيا على ميزان المدفوعات، ويساهم في استقرار سعر الصرف، ويحجم ارتفاع الأسعار، وينقل العديد من الطبقات الفقيرة من خط الفقر إلى دائرة الحياة، فالصناعات الصغيرة تعتبر بحق المصدر الرئيسي لتلبية احتياجات المواطنين من السلع والخدمات، وترتبط بعلاقة تبادلية تجمع بين التشابك والتكامل بين كافة فروع الصناعات، فهي تمثل عصب الاقتصاد في كثير من دول العالم، ليس فقط لأنها توفر فرص عمل ولكن لأنها تغذى الصناعات الكبيرة باحتياجاتها، وتعمل بصورة لصيقة للأسواق والمناطق الصناعية ومنافذ التصدير فهي تمثل القنوات الأساسية في استهلاك ما تنتجه الصناعات الكبيرة من خامات ومواد وسيطة، وفي الوقت نفسه تمد الصناعات الكبيرة بما تحتاجه من قطع غيار وأجزاء ومكونات ، فهي إحدى القطاعات الاقتصادية التي تستحوذ على اهتمام كبير من قبل دول العالم كافة والمنظمات والهيئات الدولية والإقليمية، والباحثين في ظل التغيرات والتحولات الاقتصادية العالمية، وذلك لدورها المحوري في الإنتاج والتشغيل وإدرار الدخل والابتكار والتقدم التكنولوجي علاوة على دورها في تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية لجميع الدول ، وقد تحول قطاع الصناعات الصغيرة من مجرد رافد للتنمية والإنتاج الصناعي إلى أحد أهم مجالات التشغيل والتنمية المحلية المتوازنة كما تزايدت أهمية وظيفتيه الاقتصادية والاجتماعية ، فالصناعات الصغيرة اليوم محور اهتمام السياسات الصناعية الهادفة إلى تخفيض معدلات البطالة في الدول النامية والدول المتقدمة صناعياً بصرف النظر عن فلسفاتها الاقتصادية وأسلوب إدارة اقتصادها الوطني ولقد حقَّقتْ بعض الدول الآسيوية إنجازات هائلة خلالَ العقود الأخيرةِ ، مِمّا حوّلها من قوى استهلاكية إلى قوة منتجة خلاقة، بفضل الاهتمام بالصناعات الصغيرة، التي تستغلّ الخامات المتاحة، مبتكرة أساليب تكنولوجيةً جديدة، تتلاءم مع وفرةِ الأيدي العاملة لإنتاج سلع ترتبط بالحياة اليومية للمواطنين، كالصناعات الغذائية، والنسيجية، والمعدنية ..الخ ، والتي تلبي متطلبات الأسواق المحلية والتصدير إلى الأسواق الخارجية ، لذلك أصبحت الصناعات الصغيرة محل تركيز جهود معظم الدول ، ورغم ذلك فإن هذه الصناعات لم تنل حظها بعد، حيث افتقد العديد منها إلى توفير منتج يراعي عاملي الجودة والسعر، فعجزت عن إتباع سياسة تمكنها من تنمية الصادرات أو الإحلال محل الواردات ، والصمود أمام الغزو المحلي للمنتجات الأجنبية.ويرجع ذلك في المقام الأول إلى ما تعانيه هذه الصناعات من معوقات سواء أكانت معوقات داخلية ممثلة في ضعف الإدارة وقلة الخبرة، أو معوقات خارجية ممثلة في ضعف فرص الحصول على التمويل، والتقنية المناسبة، ومنافذ التسويق. وأغلب دول مجلس التعاون لا تعطي تنمية الصناعات الصغيرة ، الاهتمام والعناية اللازمة، رغم الحاجة الماسة إليها، وما يمكن أن تحققه من عوائد اقتصادية واجتماعية أيضا ، وربما كان هذا التأخر في دعم الصناعات الصغيرة ، راجع لوجهة نظر قديمة، مفادها، أن الصناعات الصغيرة، لأنها بحاجة إلى عدد أكبر من الأيدي العاملة، قد لا تكون مناسبة لهم، خاصة أن رؤوس الأموال اللازمة للاستثمار في الصناعات الكبرى متوفرة، وهذه نظرة تركز على جانب معين من الموضوع، و تهمل جانبه الآخر، الذي ربما يكون الأهم، ليس على الدورة الاقتصادية فقط، بل من أجل تطوير الصناعات بشكل عام، فمن المعروف أن الصناعات الكبرى، تقوم على عدد كبير من الصناعات الصغيرة، ولنأخذ على سبيل المثال صناعة السيارات، إذ ليس هناك مصنع سيارات في العالم، يقوم بصناعة كافة أجزاء السيارة، والدول التي نجحت فيها صناعة السيارات دول وجد فيها مصانع صغيرة للزجاج والبطاريات، والإكسسوارات، والمفاتيح الكهربائية، والمصابيح، والمقاعد، وقائمة طويلة من الصناعات المغذية، لأن التفكير بصناعة كل أجزاء السيارة في مصنع واحد، تفكير غير منطقي. ومن المؤكد أن عدم تنمية المصانع الصغيرة ودعمها والتي تعد رافداً للمصانع الكبيرة يشكل عبئاً على تطوير القواعد الصناعية أو على الأقل على معدلات تطور هذه القواعد الصناعية والتي يتأسس عليها ازدهار البنى والهياكل الصناعية المتعددة ويعود ذلك إلى دور الصناعات الصغيرة ومكانتها في الاقتصاد الوطني . ومن أهم مقومات الارتقاء بهذا القطاع من الصناعات هو العمل على إجراء البحوث العلمية التي تخدمه ،لذلك فإنه بات من الضروري إنشاء مركز بحثي متخصص يستعرض الوضع الراهن لقطاع الصناعات الصغيرة في منطقة جامعة المجمعة والمناطق المجاورة لها وإلقاء الضوء على التحديات التي تواجه هذا القطاع ووضع الرؤى المستقبلية التي تؤدي للنهوض به ...الخ ويأتي اختيار هذا المركز لموضوع الصناعات الصغيرة كخيار للحد من البطالة في المنطقة تأكيداً على قناعة وإيمان أطراف الإنتاج بقدرة هذا القطاع على خلق المزيد من فرص العمل وبدوره الحيوي في معالجة مشكلات البطالة وزيادة الناتج المحلى الإجمالي.