ماذا يحدث للمستمتع
ماذا يحدث للمستمتع أثناء تذوقه العمل الفني ؟
وبالنسبة لما يحدث للمستمتع في أثناء عملية التذوق ، هو ان المستمتع نفسه يحاول ان يعيش ما قد عاشه الفنان من قبل ، فالعمل الفني في الحقيقة ما هو إلا آثار لمعيشة قد مر بها الفنان ، والمستمتع من جانبه يحاول ان يتتبع آثار هذه المعيشة ومثل المستمتع في ذلك كمثل الشخص الذي يحاول أن يتتبع أثار أقدام قد تركها صاحبها على طريق ما من قبل 0
وسواء نجح المستمتع أو لم ينجح في محاولته هذه ، فهو في حالة عقلية لا شعورية أو بعبارة أخرى في حالة تجمع بين الشعور واللاشعور في صعيد واحد ، وهذه الحالة من الحالات النادرة ، بل من اللحظات الحية والنشأة في حياة كل إنسان ، فالإنسان في حياته العادية أما ان يكون في حالة شعورية أو في حالة لا شعورية 0 وكل من الحالتين – الشعورية واللاشعورية تمثل الإنسان في صورته الاجتماعية المتفق عليها 0 والتي تدين بكل قانون وعرف وتقليد 0 أما الحالة اللاشعورية فهي تمثل الإنسان في صورته الفطرية الغريزية التي لا تعرف سوى الحيوانية بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى ، بذلك فالجمع بين الحالتين في صعيد واحد كأنه جمع بين نصفين ينبغي لهما ان يكونا كذلك 0 لأن أي النصفين على انفراد لا يمثل الإنسان في صورته الواقعية ، بل ان النصفين في صورة واحدة هو الإنسان في صورته المتكاملة والشاملة، أو كما يحلو للبعض ان يقولوا عنها أنها صورة الإنسان في أحسن حالاته 0
وأحسن هنا ، تعني أحسن في جميع القدرات والاستعدادات المتاحة للإنسان فإذا كان به عين ترى ، أو أذن تسمع ،أو يد تعمل أو عقل يعي أو وجدان يحس ، كان الإنسان في كل هذا أحسن تأدية من حالات التأدية الأخرى عندما يكون في حياته العادية ، يختلف لأنه في حالة عقلية متكاملة ويختلف لأنه بسبب تلك الحالة العقلية ، يعي ويحس الماضي والحاضر والمستقبل في مسيرة واحدة لا تعرف حدوداٌ ، ويختلف لأنه في أعلى درجات الحساسية والإيجابية معاٌ 0 بدليل أنه عندما يفرغ منها يود أن يعود إليها مرة ، بل مرات 0 أنها لحظات حية يحاول ان يعيشها المستمتع كما عاشها الفنان من قبل 0 ويبدو إنها اللحظات التي من أجلها يسعى المستمتع كل مستمتع – إلى رؤية الصورة _ أو قراءة القصيدة او سماع اللحن الموسيقى
أنها لحظات لا يحرص المستمتع فيها على ان يتابع العمل الفني خطوة خطوة ، أو جزءاٌ جزءاٌ ، كما هو الحال عند العالم الذي ينبغي عليه عندما يريد ان يستوعب نظرية ما ان يتابع خطواتها خطوة خطوة حتى يستطيع إدراكها – أنما المستمتع يستوعب العمل الفني ككل ، وبالتالي يتلقى معناه ويعيش فيه ويتذوقه ككل أيضا 0 هذا هو أسلوب المستمتع عندما ينظر إلى العمل الفني ، وتلك هي حالته العقلية الشاملة عندما يحاول ان يعيش اللحظات من خلاله0
وهناك العديد من الأساليب التي تدرس فن التذوق والنقد الفني لتلقى العمل الفني وفي الغالب تنحصر تلك الأساليب في ثلاثة جوانب أحدهما الجانب النفسي والآخر التشكيلي والثالث التقني0وفي الغالب يبدأ المتذوق بالفكرة التي يعبر عنها العمل الفني ن ثم يستشعر الجوانب النفسية والانفعالية التي مر بها مبدع العمل الفني وفي نفس الوقت يكون المتلقي في حالة نفسية مغايرة حين تلقيه لهذا العمل ثم ينتقل إلى الجانب الثاني وهو الجانب التشكيلي في تكوين العمل الفني من علاقة الشكل بالأرضية والإيقاع والاتزان والوحدة والترابط في العمل الفني ثم ينتقل بعد ذلك إلى الجانب الثالث وهو دراسة تقنية العمل الفني والخامات التي نفذ بها وأساليب تطبيق تلك الخامة 0 ثم أخيراٌ يتساءل عن القيمة التي يستنتجها من هذا العمل سواء كانت جمالية أو تطبيقية نفعية أو غيرها من القيم 0