مشكلة الاخلاق :
مشكلة الاخلاق :
· ويعتبر الشهروري علم الاخلاق من الفلسفة العملية حيث يقول ( وأما الحكمة العملية وأقسامها فهو ان التدابير البشرية والسياسية لا تخلو إما ان تختص بشخص واحد فقط أو لا والأول هي الحكمة التي بها يعرف كيف ينبغي ان يكون الإنسان في حركاته وسكناته حتى تكون عيشته الدنيوية فاضلة وحياته الأخروية كاملة ويسمى هذا القسم من الحكمة علم الاخلاق0
وعلى هذا التعريف فعلم الاخلاق قد يهتم بالفرد لا بالمجتمع ولا يقتصر على تنظيم السلوك لنيل السعادة في الدنيا بل التمتع بها أيضا في الحياة الأخرى أوضح من ذلك ان علم الاخلاق يتلاقى مع الدين بناء على هذا التعريف (9)
وحيث ان الاخلاق تتعلق بالسلوك فإنها تنمو من حقائق حسية معينة 0
والاخلاق في الحقيقة هي أكثر المواد إنسانية وهي أقربها جميعا إلى الطبيعة البشرية وتتصف بالحسية التي لا يمكن محوها وهي ليست لاهوتية ولا ميتافيزيقية ولا رياضية وحيث إنها تتعلق مباشرة بالطبيعة الانسانية فكل ما يمكن معرفته عن العقل الإنساني والجسم الانساني في علم وظائف الأعضاء وعلم الطب وأنثروبولوجيا وعلم النفس يكون من يناسب البحث الاخلاقي 0
وعلى هذا فالطبيعة والكيمياء والتاريخ والإحصاء وهندسة العلم جزء من المعرفة الاخلاقية المنظمة مادامت تساعدنا على فهم الظروف والمؤسسات التي يعيش الانسان في ظلها وعلى أساسها يشكل مخططاته وينفذها فالعلم الاخلاقي ليس شيئا له ميدان منفصل ولكنه معرفة مادية بيولوجية تاريخية وضعت في محتوى آنساني حيث تضئ مناشط الإنسان وترشدها (10)
ويجد الباحث في فلسفة الاخلاق لذة وفائدة مصدرهما الوقوف على تطور العقل ومحاولة الوصول للحقيقة في ناحية من نواحي الفلسفة وربما أربت متعة البحث في هذه الناحية عنها في كثير من نواحي الفلسفة الأخرى ذلك ان نظريات ما بعد الطبيعة مثلا هي غالبا عمل العبقرية التي تحب العزلة والانفراد بنفسها بينما المذهب الاخلاقي لفيلسوف ما يعتبر تاريخه إلى حد ما ترجمة لعواطف العصر الذي عاش فيه ولتقاليد أهله وناسه ومن هنا كان الاخلاقيون مشرعين للشعوب بضرب خاص من التشريع حقيقة أنهم بعد إحالة عقولهم في تقاليد العصر وعاداته هم الذين يملون قوانين السلوك وقواعد السير في الحياة مستلهمين في ذلك الرأي السديد والفكر النافذ والمثل العليا التي من حظ الإنسانية التعلق بأهدابها لذلك كان من الحق ان نقول مع أفلاطون ان القوانين الأخلاقية كقوانين الآمة الأخرى ليست دعامتها وأسسها أحجارا وأخشابا ولكن عادات وتقاليد وبدراسة هذين النوعين من القوانين لأمة من الأمم ينكشف لنا طباع روحها وعقليتها فيساعدنا ذلك على فهمها حق الفهم 0
هذا وإذا كانت مذاهب الفلاسفة الأخلاقية تقفنا على المثل العليا الذي كان لهذا الشعب أو ذاك فهي كذلك يمكن ان تتخذ مقياسا لتقدم الضمير الإنساني خلال الزمن ، كما تقدم لنا في الوقت نفسه نظرية فضلا عن فائدتها التاريخية وهي ان الضمير الإنساني خاضع كغيره لقانون التطور العام 0
ينطوي ميدان الاخلاق على تعقيدات ملحوظة : إذ ان المشكلة لا تقتصر على وجود وجهات نظر متعارضة عديدة – بل اننا نجد أيضا فئات كثيرة مختلفة وخطوط تقسيم متقاطعة 0 ونقاط ارتكاز تبدو منعدمة الصلة بعضها البعض 0
وهكذا يكون من العسير في كثير من الأحيان تصنيف المواقف المختلفة أو مقارنتها بعضها البعض 0
وقد نصادف آراء ليست لها علاقة واضحة بعضها ببعض 0 من حيث ان كلا منهما ليس مضادا لآخر ولا مكملا له 0 بل ان نقطتي الارتكاز اللتين اعتمدنا عليهما منذ البداية وهما المذهب الطبيعي والمذهب المثالي لا ترشداننا في هذا الميدان بالقدر الذي كنا نتوقعه منهما 0
ومن الأسباب التي يرجع إليها هذا الخلط وجود تقسيم في ميدان الاخلاق يتصف بأنه أساسي من جهة ولكن يصعب وصفه أو الاحتفاظ به من جهة أخرى 0
فمن الممكن من جهة النظر إلى الاخلاق على أنها فرع للدراسة المنظمة للقيمة 0 وفي هذه الحالة تكون مشكلتنا الأساسية هي : ما طبيعة " الخير" ؟ ومن الممكن من جهة أخرى ان ننظر إلى الاخلاق على أنها دراسة الإلزام ، وفي هذه الحالة تكون مشكلتنا الأساسية هي طبيعة " الواجب " ومصدره 0
المشكلتان الرئيسيتان في ميدان الاخلاق : يبدو من الواضح ان الطريقة الأولى – من بين الطريقتين السابقتين في النظر إلى الاخلاق وهي التي تبدأ بفكرة القيمة ، ستكون معنية بكشف ما ينبغي السعي إليه – أي ما هو خير أ ما له قيمة 0 فهي ستدرس أهداف السلوك أو غاياته المثلى 0 أما طريقة النظر إلى الاخلاق من خلال نظرية الإلزام فستكون معنية بمشكلة ما ينبغي عمله – أي الطريقة التي ينبغي ان تعمل بها على تحقيق هذا " الخير" أو هذه " القيمة " وعلى الرغم من ان هذه المشكلة الثانية تبدو أقرب إلى الطابع الأذهان الساذجة تميل دائما إلى ان تجعل من العبادة الدينية نظاما للمقايضة يعد فيه العبد بعمل شيء للرب – أي بطاعته أو التضحية له أو مجرد الاعتراف به – ويتوقع في مقابل ذلك نعما معينة من الرب 0 وتكشف العقيدة الشعبية اليونانية عن مظاهر متعددة لروح المقايضة هذه 0 كما ان هناك دلائل كثيرة على إنها كانت جزء هاما من العبادة الدينية الساذجة منذ العصور السحيقة في القدم 0
ومن هنا فليس من المستغرب ان يعجز القرن الثامن عشر بكل ما عرف عه من معقولية أو " تنوير" عن القضاء على هذا الميل القديم العهد إلى النظر إلى الدين على انه مساومة بين طرفين0 ومن الواضح أن واجبنا يغدو في هذه الحالة مجرد أداء الجزء الخاص بنا من الصفقة 0 وهكذا يعدو الواجب تعاقديا 0 بدلا من ان يكون اعتباطيا أو عقليا أو حدسيا (3)