مصادر الفن الإسلام
مصادر الفن الإسلامي
مصادر الفن الإسلامي
ليلى مهدي
ازدهر الفن الإسلامي في جميع البلدان التي دخلها الإسلام مع مرور الأيام وأصبح للفن الإسلامي الذي ولد في القرن الأول الهجري (السابع الميلادي) مواكباً لانتشار الإسلام وامتد ليشمل المنطقة العربية وما حولها، وظل هذا الفن ينمو ويتطور حتى بلغ قمة ازدهاره في القرنين السابع والثامن الهجريين (الثالث عشر والرابع عشر الميلاديين).
وكما نعلم أن دراسة الفنون الإسلامية إلى وقت قريب كانت قاصرة على جهود بعض المستشرقين وإن كانوا بدأوها كهواية ورغبة شخصية إلا إنهم انتهوا إلى وضع أسس علمية لها، واتبع أغلبهم وسائل البحث العلمية التي كانت سارية في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين وكان الهدف من هذا البحث الوصول إلى مصادر الفنون الإسلامية وعلاقاتها بالفنون السابقة مثل الفن المسيحي الشرقي والفن الساساني إلا أن عرض الموضوع بهذه الصورة يعتبر تعسفاً في الرأي لأن ظاهرة التأثر بالفنون السابقة لا ترجع إلى الفن الإسلامي فقط، بل هي ظاهرة عالمية وسنة طبيعية، فما من فن إلا واقتبس من آثار الفنون السابقة وما من فن إلا وتلقن مبادئ صناعته من فن سبقه كما أن الحضارات جميعاً سلسلة متصلة الحلقات بل إنه كلما ازداد الفن قابلية للاقتباس والاشتقاق كلما ازدادت فيه صفة الحيوية ونمت غريزة الابتكار، ولقد كان هناك بعض الاختلاف في الأساليب المستخدمة في أنحاء الدولة الإسلامية لتأثرها بالأساليب المحلية لكل إقليم وما وجد به من فنون سابقة لظهور الإسلام وإن لم تفقد هذه الفنون السمات الأساسية التي تميز بها الفن الإسلامي (ومما لا شك فيه أن العمل الفني قيمة في حد ذاته لا في منبته.
ورغم أهمية المصادر إلا أنها لا تبخس من قيمة الفنان الذي اقتبس منها ثم اصبح هناك شخصية منفردة ومتميزة تتمتع بخصائص أخرى جديدة أضفى عليها الفنان من روحه وعصره وبراعته وما يبتكره الفنان من روحه وعصره وبراعته وما يبتكره الفنان من أساليب ينفرد بها منتجه الفني التي ربما تفوق المصادر.
ومن المعروف أنه لم يكن للمسلمين فن خاص بهم في البداية ولكن بعد الفتوحات الإسلامية شجعوا الفنون الراقية في هذه البلاد وجلب بعض حكامها مواد البناء واستقدموا مهرة الصناع من شتى البلاد.
وبدأ أسلوب إسلامي ناشئ ينمو تدريجياً متأثراً في بداياته بأساليب الفن البيزنطي والفن الساساني ووضح ذلك من وجود بعض خصائص هذين الفنين في الآثار الإسلامية الأولى، ولكن ما لبث أن تولد من هذين الطرازين طراز جديد في جملته أخذ ينمو ويتطور، وكما هو معروف أن الفن القبطي استحدث تطوراً من الفن الهلينستي الذي تميز بمحاكاة الطبيعة ثم أخذت العناصر القبطية الوطنية تأخذ مكان العناصر الإغريقية وكان نبات الأكنتس وورقة العنب من العناصر الرئيسية في الزخارف ثم أخذ الفنان القبطي في تحويرها وتطويرها وإدخال عناصر هندسية عليها إلى أن اصبح هناك أسلوباً خاصاً به وفي بداية انتشار الإسلام اقتبس المسلمون هذه العناصر ثم أدخلوا عليها عناصر أخرى لم تكن معروفة في الفن الهلينستي وأصبحت من خصائص الفن الإسلامي.
كما أن الخزافيين الإيرانيين لم يقفوا عند تقليد أشكال الأواني الخزفية الصينية، بل أن الأواني التي خلفوها تشهد بأنهم استطاعوا أن يوفقوا بين الزخارف المفورة والألوان الجميلة، وأخرجوها في أشكال قوية لها تأثيرات زخرفية جديدة تماماً لم تكن معروفة في التحف الصينية.
كذلك حدث في فن الزجاج حيث كانت لمصر وسوريا شهرة كبيرة في مجال صناعة الأواني الزجاجية في عهد حكم الرومان إلا أن الفنان المسلم استطاع أن يخرج من هذه الصناعة الرومانية صناعات وفناً جديدين من الفنون الإسلامية.
ولم يجد الفنان القبطي أي عائق بعد الفتح العربي إنما استمر في الازدهار ولقد عثر على منسوجات كثيرة يرجع تاريخها إلى أوائل العصر الإسلامي رسمت عليها موضوعات مسيحية عن الطبيعة حيث نجد الزخارف القبطية والصور المسيحية الآدمية مجتمعة مع كتابات عربية على المنسوجات القطنية يرجع تاريخها إلى العصر الإسلامي، وفي مجال زخارف التحف المعدنية التي تشابهت في البداية مع أساليب الزخارف الساسانية والمنحوتات الخشبية التي ظن البعض إنها من صناعة الفنانين الأقباط والحراير المرشاة بالذهب التي ظن البعض ارتباطها بفن النسيج بالصين إلا أن هناك من ينسب هذا الفن إلى مصانع النسيج في مصر في عصر المماليك. وعندما أنشأ الخلفاء مصانع النسيج في كثير من المدن المصرية استخدموا العمال الأقباط لما عرف عنهم من مهارة في صناعة النسيج، واستمر تأثير الفن القبطي على الفن الإسلامي فترة غير قصيرة إلى أن ظهرت سمات وملامح مميزة الفن الإسلامي نتيجة
ابتكارات وتطورات أدت إلى ازدهار مستمر ومما لا شك فيه أن طرازاً إسلامياً خالصاً أخذ ينمو ويتطور في مجال المنسوجات ويسود جميع البلاد الإسلامية، وقد تقدمت جداً وأتقنت صناعة فن ختم الزخارف وطبعها على النسيج كما أثبتت الحفريات التي عثر عليها في مدينة دورة بصحراء سوريا ومدينة كوم أوشين في مدينة الشيخ عبده بصعيد مصر حيث عثر على قطعة هامة من بساط لا وبر له مصنوع من الصوف دلت زخارفه وأسلوبها على أنها مقتبسة من رسوم الفسيفساء التي كانت تغطي الأرضيات في العصر الروماني وأوائل العصر المسيحي.
أما الفنون الإيرانية السابقة على الإسلام فقد كشفت عن تأثير الأسلوب الفني الذي انتشر في الفنون والصناعات خلال عصري البارثيين والساسانيين وقد حكمت أسرة البارثيين (248ق.م-226م) بلاد إيران والعراق وبعض أقاليم سوريا، وتعتبر الفترة من (226-637م) من أزهى عصور الفن الإيراني خلال العصر الساساني حيث بلغت الفنون درجة كبيرة من التقدم وكانت الزخارف البحتة التي اشتهر بها الفن الساساني قائمة على أصول موروثة عن الفنيين انتظام التكرار والتماثل ووحدات الزخرفة المأخوذة من أوراق المراوح التخيلية ومن بينها مراوح كاملة وأنصاف مراوح على أشكال قلوب كما يلجأ الفنان في معالجة الرسومات إلى توزيعات وإدماج أنصاف المراوح في الفروع الخارجية منها وهي صفة هامة من صفات الفن الإسلامي، كما تعتبر تفريعات المراوح التخيلية ومشتقاتها المتعددة في الفن الساساني، الأصول المباشرة لمثيلاتها في الآثار الإسلامية الأولى، وفي بعض الحالات اقتبس الفنان في العصر الإسلامي الأول شكل المروحة الساسانية بدون تحوير ولكنه في حالات أخرى ابتكر أشكالاً جديدة مجردة، وأدى تطور هذه الأشكال تدريجياً إلى أسلوب زخرفي إسلامي أصيل.
كما اقتبس الفن الإسلامي الأشكال المجنحة عن الفن الساساني وكانت مستخدمة أصلاً في إيران مع إضافة كتابات بهلوية عليها.
ولقد تأثر الفن الإسلامي إلى حد ما في تطوره بفنون الإيرانيين وصناعاتهم وفنون قبائل الترك الرحل في شرق إيران ووسط آسيا ثم اكتسب الفن الإسلامي أساليب وزخارف وعناصر جديدة لم تكن معروفة للمسيحيين الشرقيين أو الساسانيين وأظهر شخصيته المستقلة في عالم الفنون كما أخذ هذا الفن في النمو والتطور واصبح يتطبع بطابع خاص واتخذ لنفسه شخصية قائمة بذاتها، وقد قامت هذه الشخصية على حيوية هذا الفن وعلى قدرته الفائقة على الابتكار.
وقد شملت هذه لابتكارات ميع أنواع الفنون من أخشاب وزخرفة وزجاج ومعادن ومنسوجات وفي مجال العمارة والأواني والتحف وأنواعاً لم تكن معروفة من قبل ومن أمثلة ذلك الخشب المحفور في أوائل العصر العباسي، منبر نقل من بغداد في أوائل القرن التاسع وهو يتكون من صفوف من الحشوات مقسمة إلى مستطيلات تزدان بزخارف هندسية متشابكة ونباتات وتفريعات من ورق العنب وظل الاتجاه إلى البعد عن محاكاة الطبيعة باقياً في منبر جامع القيروان، وكانت الزخارف مستوحاة من شجر النخيل وكيزان الصنوبر ومراوح نخيلية تشبه الأجنحة ويعتبر منبر القيروان الذي يرجع إلى عهد هارون الرشيد واحداً من روائع أمثلة الحفر على الخشب في بغداد وتدل زخارفه على مهارة في إظهار التفاصيل الدقيقة وتنوع مستويات الحفر، وأصبحت هناك الابتكارات خصائص مميزة للفن الإسلامي مثل توصل الصانع إلى صناعة البريق المعدني في الخزف ويعتبر ابتكاراً عظيماً من ابتكارات الفنان المسلم في مجال فن الخزف في القرنين الثاني والثالث الهجريين (الثامن والتاسع الميلاديين) كما ابتكر الفنان المسلم في مجال فن النحت على الحجارة أسلوباً زخرفياً جديداً وهو طريقة النحت المائل أو المشطوف، كما تطورت صناعة تكفين التحف المصنوعة من البرونز والنحاس الأصفر بالمعادن المختلفة.
كذلك نتج عن هجرة الإيرانيين وقبائل الترك الرحل دخول أشكال جديدة على منطقة الشرق الأدنى مثل التفريعات الهندسية ذوات الأوراق المستديرة ومن المحتمل انتقال فكرة زخرفة التفريعات الهندسية إلى بلاد الشرق الأدنى بل وإلى غرب أوروبا حتى ألبانيا والمجر عن طريق المصنوعات الذهبية للقبائل الرحل وهي الزخارف التي أثرت إلى حد كبير في تطور زخرفة التوريق (الأرابسك) في الفن الإسلامي.
يتضح مما سبق قوة وحيوية الفن الإسلامي مما لا يدع مجالاً للشك في قدرة الفنان المسلم على الإبداع والابتكار والتطور وخلق شخصية ثرية ومتنوعة ومستقلة للفن الإسلامي مهما كانت مصادره الأولى ودرجة تأثره بها في البداية.
المصادر:
مرجع الفنون الإسلامية م.س ديماند –أحمد محمد عيسى- د.أحمد فكري الفنون الزخرفية اليمنية في العصر الإسلامي د.ربيع حامد خليفة.