مقالة فلسفة الأخلا
فلسفة الأخلاق في الإسلام
الفكر الفلسفي جزء لا يتجزأ من حياة الإنسان وليست الفلسفة حديثا حافلا بالغموض تثير مشكلات لا علاقة لها بالواقع ولا هي كنز من الأسرار يستعصي على العقل فهمه ، ولكنها مرشد الفكر الذي يلقي الأضواء على كثير من الأفكار التي يسلم بها أكثر الناس بغير نقد ولا اختيار ،ومن هنا كانت الفلسفة ذلك الطابع الذي يجعلها تحليلا للفكر أكثر منها تركيبا وتأليفا. و الفلسفة الأخلاقية هي دراسة أفعال الإنسان من حيث إنها صالحة أو طالحة ، ويتعلق موضوعها بما يقوم به الأفراد والجماعات من أفعال. ويهتم علم الأخلاق بالدراسة المنهجية لمثلنا وأهدافنا الخُلقية وأسباب اختياراتنا وأنماط سلوكنا الحسن أو السيئ، وتظل مع ذلك علماً مُرتبطاً بالحياة القويمة، لا مجرد شكل من أشكال الفعل الخُلقي أو الممارسة الخُلقية ، وإنما تعطينا زاداً من المعرفة العملية العامة، لكن الفرد يبقى مسؤولاً عن اتخاذ قراراته الشخصية التي يُطبق بها تلك المعرفة في الحياة اليومية. و كل أخلاق قبل الفلسفة تأخذ شكل مجموعة من التعليمات غير المتسقة والتي يضم بعضها إلى بعض وتدور حول السلوك الصحيح في مختلف مواقف الحياة ، أي أنها تقصد بصفة عامة إلى تقديم قواعد لفن الحياة ، ولكنها لا تحوي أي نظام صريح لتلك القواعد و طبيعة الأمور تجعل الأخلاق قبل الفلسفة تستمد سلطانها من التقاليد الموروثة فالسلوك عندها يكون صائبا لأنه كان السلوك الذي سارت عليه من قبل أجيال عديدة سابقة .أما الأخلاق الفلسفية فإنها تريد على العكس من ذلك أن تقدم نظاما متسقا من التعاليم وذلك ابتداء من مبدأ مطلق وللوصول إلى هدف متسام يكون واحدا لكل البشر0فعلم الأخلاق قد يهتم بالفرد لا بالمجتمع ولا يقتصر على تنظيم السلوك لنيل السعادة في الدنيا بل التمتع بها أيضا في الحياة الآخرة ويتضح من ذلك أن علم الأخلاق يتلاقى مع الدين وحيث أن الأخلاق تتعلق بالسلوك فإنها تنمو من حقائق حسية معينة ، والأخلاق هي أكثر المواد إنسانية وهي أقربها جميعا إلى الطبيعة البشرية وتتصف بالحسية التي لا يمكن محوها وهي ليست لاهوتية ولا ميتافيزيقية ولا رياضية ، فالعلم الأخلاقي ليس شيئا له ميدان منفصل ولكنه معرفة مادية بيولوجية تاريخية وضعت في محتوى آنساني حيث تضئ مناشط الإنسان وترشدها ، فالفلسفة الأخلاقية تتخذ مقياسا لقياس الضمير الإنساني خلال الزمن ، ولم يعرف العرب في جاهليتهم فلاسفة دعوا إلى مذاهب فلسفية أخلاقية ، إنما كان عند العرب حكماء و شعراء أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وحثوا على الفضائل وحذروا من الرذائل كحاتم الطائي وزهير بن أبي سلمى ،حتى جاء الإسلام فدعا إلى الاعتقاد بأن الله مصدر كل شيء في العالم ،وكما خلق الإنسان وضع له نظاما يتبعه وطريقا يسير عليه وشرع له أمورا من صدق وعدل أمره بإتباعها وجعل السعادة في الدنيا والنعيم في الآخرة جزاء من اتبعها ، وجعل عكسها من ظلم ورذائل نهي عنها وحذر من ارتكابها وجعل الشقاء في الدنيا والعذاب في الآخرة عقوبة من ارتكبها . وان الله لم يأمر اعتباطا ولا نهى عما نهى كذلك 0 وقل من العرب – حتى بعد أن تحضروا – من بحث في الأخلاق بحثا علميا ذلك لأنهم قنعوا أن يأخذوا عن الدين ولم يشعروا بالحاجة إلى البحث العلمي في أساس الخير والشر ولذلك كان الدين عماد كثير ممن كتبوا في الأخلاق كما ترى في كتاب الإحياء للغزالي وأدب الدنيا والدين للمارودي وأشهر من بحث في الأخلاق بحثا علميا أبو النصر الفارابي وأبو على بن سينا ولعل أكبر باحث مسلم في الأخلاق ابن مسكويه، و الفكر الأخلاقي في الإسلام يسير في اتجاهين واضحين ،أولهما هو اتجاه الأخلاق العملية ويقوم هذا الاتجاه على طائفة من الوصايا والنصائح والتوجيهات للملوك والرؤساء بل للأفراد وعامة المسلمين معتمدة على الكتاب والسنة ومستمدة منهما في الغالب ، وثانيهما هو اتجاه الأخلاق النظرية ويقوم هذا الاتجاه بعرض القضايا والنظريات الأخلاقية محللا لها ومحاولا تفسيرها في ضوء العقل والنقل كنظرية الخير والشر أو فكرة الإرادة والمسؤولية أو الثواب والعقاب ، أو نظرية الواجب والسعادة . وبعد الدراسات المتعددة التي أعدها الباحثون في مجال فلسفة الأخلاق الإسلامية ،يعد من باب التجاوز القول مع القائلين أنه لا توجد فلسفة أخلاقية في الفكر الإسلامي ، كما يعد من الجور إهمال هذا الجانب الأصيل في الفلسفة الإسلامية ،وقد يكن صحيحا أن تكون الفلسفة الأخلاقية من أقل فروع الفلسفة حظا من البحث والدراسة والكتابة العلمية للدارسين والمؤرخين للثقافة الإسلامية ، وهذا يرجع إلى كفاية الكتاب والسنة للسلف الصالح كهاد ومرشد في حياتهم العملية ، وبيان الصواب والخطأ في أنماط السلوك الإنساني ـ الأمر الذي كفاهم مؤونة البحث والنظر في تصوير قواعد ثابتة لسلوكهم فتكون في مجموعها فلسفة أخلاقية خاصة بهم ، إلا أنه وبالرغم من ذلك لا يمكن لأحد أن ينكر أن لهذه الفلسفة أصولا عميقة مردها إلى الكتاب والسنة أولا ، وإلى ما سرى إلى التراث الإسلامي من تعاليم الشعوب التي اعتنقت الإسلام فضلا عما أقره الإسلام من سنن العرب في الجاهلية وما انتقل إلى الثقافة الإسلامية من ثقافة يونانية ورومانية أو حكم هندية وفارسية 0
د/غالية الشناوي