موقف الإنسان والذا
موقف الإنسان والذات تجاه العمل الفني :
وصف لنا بعض علماء الجمال موقف الإنسان والذات تجاه العمل الفني أو بعبارة أخرى ماذا يحدث للمشاهد أو المتذوق عند قراءته للعمل الفني كما أوضح علماء الجمال والاستجابة الجمالية للمشاهد والتي تتمثل في المواقف الآتية :
أولا : التوقف
ومعنى هذا أن ثمة فعلا منعكسا جماليا يتمثل في استجابة الذات للموضوع الجمالي بإيقاف مجرى تفكيرها العادي 0 والكف عن مواصلة نشاطها الإرادي ، من أجل الاستغراق في حالة من المشاهدة أو التأمل التي تكون بمثابة مفاجأة لها 0
ثانيا : العزلة أو الوحدة
ومعنى هذا ان للسلوك الجمالي قدرة انتزاعية هائلة ، لأن من شأنه ان يستبعد من مجال إدراكنا كل ماعدا الأثر الفني او الموضوع الجمالي ، فلا نلبث أن نجد أنفسنا وجها لوجه أمام الموضوع المشاهد وكأننا قد استحلنا إلى عالم جمالي قائم بذاته 0
ثالثا : الإحساس بأننا موجودون بإزاء ظواهر ( لا حقائق )
ومعنى هذا أن الشعور الجمالي بفتقر بالضرورة إلى الواقعية ، نظرا لما للموضوع الجمالي من طابع ظاهري 0 فنحن حين نشهد أي عمل فني نشعر بأننا لا ندرك إلا شيئا ضروريا خداعاٌ ، وبالتالي فإننا لا نهتم بمضمون ذلك الشيء بل نقصر كل اهتمامنا على النظر إلى شكله أو مظهره 0
رابعا : الموقف الحدسي
ومعنى هذا أن رائدنا في السلوك الجمالي 0 ليس هو الاستدلال والبرهنة والبحث العقلي ( كما هو الحال في العلم مثلا) وإنما رائدنا الحدس والعيان المباشر والإدراك المفاجئ ، فتنجذب إلى الموضوع أو ننفر منه نتيجة لإحساس مبهم يتملكنا منذ البداية 0
خامسا : الطابع العاطفي أو الوجداني :
يحمل العمل الفني مهما كان نوعه أو أسلوبه أو تقنيته طابعا عاطفيا ووجدانيا ، لأنه في الأصل نابع من شخصية الإنسان الفنان الذي يحمل في صفاته وجوانبه العاطفة الصادقة والوجدان الحي ، ويعيدنا العمل الفني إلى حالة بدائية من حالات الوعي أو الشعور 0
خامسا : التقمص الوجداني أو التعاطف الرمزي
ومعنى هذا أننا حينما نحكم ( مثلا) على أي موضوع حكما جماليا ، فإننا نضع أنفسنا موضعه محققين بيننا وبينه علاقة بشرية تشبيهية ، عن طريق بعض الحركات العضلية أو العضوية ، وكأننا نقوم بعملية ( محاكاة باطنية ) ، على حد تعبير جروس Gross ولنضرب لذلك مثلا فنقول ان أية مشاركة فنية تتحقق بيننا وبين بعض الشخصيات المسرحية أو الغنائية إنما تقوم على التقمص الوجداني الذي فيه تنتقل إلينا انفعالات الآخرين على سبيل العدوى أو التأثر الوجداني فنشعر بأننا نحيا آلامهم ونعاني أوجاعهم ونستشعر ذواتهم 00الخ .
ولو شئنا أن نضرب مثلا بسيطا لما في التذوق الفني من " تقمص وجداني " لكان في استطاعتنا أن نقول أننا حين نستمع إلى آهات شجية تنبعث من حنجرة ذهبية لمطربة فنانة 0 فإننا نحبس أنفاسنا ، ونكاد ننقطع عن كل حركة 0 إلى ان نفرغ المغنية من آهتها الطويلة السحرية ، فنعاود حياتنا الشعورية العادية ، ونسمح لأنفسنا بأن نعبر عن استحساننا أو إعجابنا بالتصفيق أو الهتاف أو التهليل ! وهكذا الحال في كل حياتنا الجمالية 0 فإننا نثور مع الموجة العاتية ونرزق مع النسيم العليل 0 ونعتم مع السحابة الداكنة ، ونئن مع الرياح الهادرة ونتصلب مع الصخرة الجامدة ، ونتدفق مع الجدول الرقراق 00الخ ومعنى هذا أن ثمة تبادلا مستمر يتم بين شعورنا وبين العالم الخارجي ، بحيث قد يصح لنا ان نقول ان جسمنا ليشارك في كل ما يدرك من حركات 0 وبالتالي فإنه يترجم شتى احساساتنا البصرية والسمعية وما عداها إلى احساسات بالحركة 0
وإن البعض ليتصور ان التذوق الفني في صميمه عملية ذاتية محضة ، ولكن الواقع انه ليس في التذوق الفني سوى عملية " شهادة " أو " تكريس" تقوم بها بإزاء العمل الفني 0 فالرجل المتأمل أو المشاهد أو المتفرج لا يجلب للعمل الفني شيئا اللهم إلا شهادته أو تأييده أو تواطؤه ، وليس الصحيح أ، يقال أن العمل الفني كائن فينا ، بل الصحيح أن يقال إننا نحن كائنون فيه 0 وآية ذلك أنني حين أشهد لوحة أو تمثالا أو قطعة تمثيلية ، فأنني أشعر بأنني أعيش مع الموضوع الجمالي الذي أنا بإزاءه ، وكأنني قد نفذت إلى صميم شعور " الآخر " وإن كان " الآخر " هنا هو العمل الفني نفسه 0