يوم نبضت حواء من ف
يوم نبضت
حوّاء من قلب آدم
المرأة ...المرأة... حقوق المرأة... حُريّة المرأة... حياة المرأة... قانون المرأة... ...المرأة ...المرأة...تعالت
الأصوات و كثرت الكلمات و صاح النّاس... تُرى ما بال العالم في هذه الأيّام لا
يترك صغيرةً و لا كبيرةً إلاّ و عمل منها قضيّة و مبدأ ، و رفع عليها و بسببها
الرّايات و هتف للنّضال و الحرب في سبيلها!!! و الغريب في الأمر أنّ آخر صيحات
العالم منذ قرنٍ تقريبًا، تدور حول المخلوق العجيب المُسمّى : المرأة !!! مخلوق ؟ أم ظاهرة !! هل تعلم أنّ ذلك" المخلوق
" كان محور نقاشٍ و تساؤلٍ كبيرين في أوروبا خلال قرونها " المُظلمة
" ؟ لقد ادّعى بعضهم أنّها " شيطان "
وجب التّخلّص منه، و ادّعى آخرون أنّها مخلوق لم يوجد إلاّ للقيام ببعض المهامّ...
!! لا يحقّ له إبداء رأيه أو التّعبير عن رغباته.. و يكفي أن يطّلع الفرد على مُؤلّفات الكُتّاب
الفرنسيين [ القرن 15 --> القرن 19 ] حتّى يكتشف ، و على لسانهم، حال ذلك
" المخلوق" . ثمّ جاءت النّهضة الأوروبيّة؛ و هي نهضة
صناعيّة اقتصاديّة بالدّرجة الأولى، و هنا كان على كلّ أفراد المُجتمع الأوروبّي
العمل. أوروبّـا صارت بحاجة لليد العاملة لِتُكثّف من نشاطها و تنمو. و هنا، و
فجأةً؛ صار " الشّيطان " بشرًا !! و صار " المخلوق" إنسانًا
كامل الحقوق ! و أوّل مزاياه التي
سيحصل عليها، هو أن يتخلص الجونلات الطّويلة الفضفاضة و ينزع " الفواليت"
( غطاء الوجه آنذاك، كانت تلبسه الأوروبيّات مع القبّعات ) و يلبس بذلة الشّغل، و
ينزل للعمل في المصانع وسط الآلات و الصّخب: أخيـرًا تحرّرت المرأة !! ثمّ شيئًا فشيئًا صار العلم يتقدّم أكثر فأكثر، و
صارت الاختراعات تتابع الواحدة تلو الأخرى، و هاهو عصر الكاميرات و التّلفزيون و
السينما يعمّ، و بات من الضّروري تسويق بضائع أكثر و منتجات أعمّ نفعًا !! فحصّلت
المرأة على حقوق أكبر و أكبر ؛ صار من "حقّها" أن تفقد السّيطرة على جسدها
الذي أصبح ملكًا للشّعب ! فليس من شيء يضاهي منظر فتاة شابّة في عرض سينمائي أو
بالقرب من بضاعةٍ ما، ذلك أفضل حقّ" لها و أفضل شيءٍ بالموازاة يزيد في رقم
الأرباح التّجاريّة، حتّى صارت تستمتع بعرض نفسها أمام "مكنسة" و "
أكل للكلاب" و... و... لأنّها الآن صارت " حُـرّة " !!! نعم، نعم
لا تستغرب إنّ للحريّة ثمنًا ! في أحدث ما تمّ عرضه من مشاكل المرأة
الأوروبيّة و الفرنسيّة خاصّة هو كونها تعمل بنفس الكفاءة العلميّة و في نفس ساعات
العمل كالرّجل معراتب ينقصُ عنه بـ30 % !!! إنّه حقّ المساواة الذي تستمتع به الآن. حتّى أنّها
من فرط الحريّة التي حصلت عليها لا تستطيع حتّى مُمارسة ما خُلقت له ببساطة؛ إنجاب
الأطفال و رضاعتهم... لأنّ التّأمين لا يتحمّل شهرين غياب بمُرتّب، و ربّ
العمل ليست مُشكلته إن أنجبت فإن أرادت الإرضاع أو الاعتناء بالصّغير وجب عليها
ترك العمل، هناك غيرها للقيام به، عليها أن تختار إما العمل و جلب قوتها بنفسها و
إمّا البطالة و التّشرّد لأنّ المسكينة من فرط الحريّة و الحقوق و المساواة التي
حصلت عليها لم يعد لها والدٌ يكفلها، بل يضعها في الباب عند أوّل فُرصة تسنح له:
إذهبي لن انفق عليكِ لأنّكِ لم
تعودي قاصرًا !!! و ليس لها أخ يكفلها؛ كما يقولون " كلّ
واحد لنفسه و الربّ للجميع " إنّها مُساوية له الآن و ليس عليه أن يتحمّل
مسؤوليّتها لأنّها الآن راشدة و حُرّه !!! و ليس لها زوج ! نعم، نعم لا تستغرب لأنّها الآن من فرط رُشدها و
حُريّتها لم تعد تتزوّج و تعيش بسلام في كنف عائلةٍ مُحترَمة، بل هي الآن تحت رحمة
" الصّديق" الذي بطبيعة الحال من فرط تحرّره و تقدّمه لم يعد يتزوّج
لأنّ الزّواج يُقيّد الحُريّات و يقمع المشاعر و... و... الصّداقة الآن أفضل وسيلة
للتّملّص من هذه الأم التي أضحت تُعاني البطالة، لم يبق له الآن إلاّ أن ينفق عليها !! أبدًا ! سوف يذهب للعيش مع
حُرّةٍ أخرى، تملك ما تعول به نفسها !!! و هاهو صغيرها يكبر و قد عاشر العديد من
الآباء، اعتاد" الحُريّة" و اعتاد " المساواة" : " إلى
اللقاء يا أمّي، أنا راشد و أنا ذاهبٌ للعيش مع صديقتي في منزلي الخاص !!! "
، أين مصيركِ يا حُرّه ؟؟! ؛ إلى دار المُتقاعدين. هي الآن مع شقيقاتها
من اللواتي أنهكهنّ العمل و الجري وراء القوت، كم من مهزلةٍ واكبت، كم من اعتداءٍ
تحمّلت، لا خيار لها إمّا دار التّقاعد أو الشّارع لأنّ لا أحد سوف يدفع لها إيجار
شقّتها و ليس في سنّ الخمسين أو السّتين سوف تجد عملاً فالشّرط الأساسي للحصول على
وظيفة هذه الأيّام هو الجمال و الجاذبيّة !! للأسف، أم تراها تُراهن على حياتها
بإجراء العشرات من العمليّات التّجميليّة " للبقاء على قيد الحياة "
؟!... هل هذا حقّ، هل هذه
حُريّة، هل هذا تطوّر ؟؟! كلاّ و ألف كلاّ ! يوم نبضت حوّاء من قلب آدم، كان
مصيرها الحقيقي و قدرها أفضل بكثير في رحاب ما قدّره لها ربّها ، لأنّها حوّاء
النّابضة بالحياة المخلوقة من الحياة و الواهبة للحياة ، لأنّها الحياة لأنّها
الرّحمة لأنّها العطف لأنّها الحنان و الحُبّ؛ كرّمها ربّها و جعلها الأمّ و
الزّوجة و البنت.