الجامعات الناشئة
الجامعات الناشئة .. طموح وتحديات
شهدت المملكة في الفترة 15 إلى 18 جمادى الأولى، الموافق 19 إلى 22 نيسان (أبريل) 2011 المعرض والمؤتمر الدولي للتعليم العالي، وهذ المعرض يحظى بمشاركة كبيرة من جامعات من مختلف دول العالم، ومشاركة مجموعة من الخبراء على مستوى العالم في التعليم العالي، والحقيقة أن المملكة في هذه الفترة تشهد نهضة غير مسبوقة في دعم التعليم العالي من أكثر من جهة، سواء بإنشاء الجامعات الحكومية في مختلف مناطق المملكة، أو التوسع في الجامعات القائمة، أو دعم مشاريع الجامعات الأهلية، أو البعثات للدراسة في الخارج لمختلف دول العالم في الشرق أو الغرب، خصوصا دول العالم المتميزة في التعليم العالي، مثل الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، كندا، وغيرها.
هذا الاهتمام يؤكد استراتيجية طموحة للمملكة للارتقاء بالمستوى التعليمي للمجتمع، وتبني اقتصاد المعرفة ليكون ـــ بإذن الله ـــ واحدة من أكبر دعامات الاقتصاد الوطني، وأن ترتقي المملكة بمستوى التعليم والبحث العلمي، وإعداد الكوادر القادرة على جعل المملكة تعتمد على التنوع في الموارد وتحقيق التنمية المستدامة، خصوصا أن المملكة تمثل اليوم كتلة اقتصادية ضمن تجمع العشرين لأكبر الاقتصادات العالمية، ولديها استقرار اقتصادي جيد مقارنة بدول أخرى في العالم، خصوصا بعد الأزمات الاقتصادية العالمية.
هذه العوامل تعطي التعليم العالي فرصة كبيرة للارتقاء والتطور وتحقيق طموح بحجم ما تم ويتم إنفاقه في هذا القطاع، الذي يعيش عصره الذهبي في هذه المرحلة، ويبقى أن هناك تحديات في هذه المرحلة تتعلق بالجامعات السعودية بشكل عام والجامعات الناشئة بشكل أكبر.
من القضايا المهمة التي تتعلق بالتعليم العالي في المملكة الاهتمام الكبير بالتصنيفات العالمية، وهذا بلا شك مهم ليعكس حجم التطور في التعليم العالي بما يتناسب مع الاهتمام الحكومي، وحجم الإنفاق عليه، لكن لا بد ألا ننسى أن هذ ليس هدفا في حد ذاته، إذ إنه انعكاس لحجم التطور الذي تشهده كل جامعة، حيث ينبغي أن يكون وسيلة للاهتمام بالبحث العلمي والنشر في المجلات العلمية المرموقة، والسعي لاستقطاب الباحثين المميزين عالميا، والحصول على جوائز علمية عالمية مثل جائزة نوبل، وأن يتم عرض هذا النتاج العلمي بالوسائل التقنية التي تتيح لكل مهتم الوصول إلى المعلومة العلمية الدقيقة، ولتتحقق الاستفادة المثلى مما تقدمه الجامعات.
لكن من الملاحظ أن تصنيف الجامعات من خلال جهات التصنيف العالمية يعتمد بشكل أكبر على الإنتاج البحثي، خصوصا باللغة الإنجليزية، في مجلات علمية محصورة، خصوصا مجلات مثل Nature and Science ، التي يعتبر النشر فيها في حد ذاته إنجازا على المستوى العلمي. لكن في الوقت نفسه لا تركز هذه التصنيفات بشكل أكبر على التعليم الأكاديمي الذي يعتبر جزءا رئيسا من عمل الجامعات، ولذلك جعل هذه التصنيفات هدفا في حد ذاته سينعكس بلا شك على التعليم الأكاديمي، خصوصا البكالوريوس، الذي يشهد حاجة كبيرة في المجتمع، إلا أن الحكومة جعلت من خططها ألا تقتصر على الجامعات المحلية، بل أضافت إلى ذلك الابتعاث إلى جامعات عالمية لتوفير فرص أكبر لتعليم جامعي متميز، لذلك فإن التركيز على تحقيق مراكز متقدمة للجامعات الناشئة في هذه المرحلة قد يكون له انعكاسات سلبية لاحقا إذا ما كان ذلك على حساب التعليم الأكاديمي أو التدريس، إذ إن هذه الجامعات، بل حتى عموم الجامعات من المهم الاهتمام بتخريج الكوادر الذين ستعتمد عليها الجامعات لاحقا، إذ إن الغالب في الجامعات أنها تعتمد في المستقبل على خريجيها لتعيينهم كمعيدين، ومن تطويرهم للحصول على شهادات عليا سواء داخل المملكة أو خارجها. وإذا كان خريجو الجامعات ليسوا متميزين سيكون لذلك أثره في مستقبل الجامعة.
كما تضاف إلى ذلك مسألة إنشاء كليات وأقسام بشكل سريع قد يؤدي إلى تخريج كوادر غير مؤهلة بشكل كاف للعمل، أو أن تتكلف الجامعة مصروفات باهظة لا تحقق المطلوب منها، خصوصا عندما يقضي هؤلاء الطلاب فترة طويلة في الجامعة، وما يترتب على ذلك من هدر مالي كبير، ووقت هؤلاء الطلاب والجامعة، خصوصا عندما يكون ذلك في تخصصات تعتبر أشبه بالألغاز لغير المتخصصين، مثل الطب والهندسة والتخصصات الصحية والتقنية بشكل عام، والأمر كذلك أيضا في غيرها من التخصصات، حيث قد تؤدي إلى أن يتم تخريج كوادر غير مؤهلة يصعب بالتالي معرفة عدم كفاءتها من قبل مسؤولين غير متخصصين في تلك التخصصات، ومن عموم المواطنين، بل هم أنفسهم عندما يباشرون العمل الميداني سيجدون أن دراستهم الجامعية ليست كافية لتولي هذه المسؤوليات الملقاة على عواتقهم، ما قد يؤدي أحيانا إلى نتائج سلبية كبيرة على الوطن والمواطن.
فمن المهم في هذه المرحلة الاهتمام بالتدريس، وربط المبادرات بإنشاء التخصصات على أسس استراتيجية مدروسة حتى لو تأخرت قليلا، لضمان إعداد كوادر على مستوى عال من الكفاءة.
في عودة إلى ما يتعلق بالاهتمام بالتصنيفات العالمية، ينبغي ألا يؤثر الاهتمام بالتصنيفات العالمية في الإنتاج العلمي باللغة العربية، سواء نشر البحوث أو الكتب أو الترجمة، إذ إن اللغة العربية أحوج إلى البحوث النوعية ذات الجودة العالية بالنسبة للمجتمع، كونها اللغة الأم، وهي أيضا إحدى لغات العلم، خصوصا أنها لغة القرآن، وكانت في مرحلة من المراحل في تاريخ البشرية اللغة الأولى للعلم، ونتيجة لأنها استمرت منذ أن كتب الله لها الحفظ بالقرآن مدة قرون، حفظ لها ذلك نتاجها العلمي طوال تلك الفترة. وبناء عليه، فإن البحث العلمي باللغة العربية ونشره يعتبر أولوية وطنية، للارتقاء بالمجتمع. وبما أن التصنيفات العالمية تعتمد اللغة الإنجليزية غالبا، فمن المقترح أن تتبنى وزارة التعليم العالي، سواء من خلالها أو من خلال جامعة الدول العربية آلية للتصنيف الجامعي للجامعات العربية وغيرها ممن يهتم بالنشر باللغة العربية، لدعم هذه الجامعات والارتقاء بمخرجاتها باللغة العربية، خصوصا في تصنيف الجامعات والمجلات العلمية، وهذا سيساعد بدوره على أن يضع كل جامعة من الجامعات العربية أو المحلية في مركزها الصحيح، خصوصا أن بعض الجامعات لدينا لديها ثروة علمية هائلة باللغة العربية.
الملفات المرفقة
- صناعة البحث العلمي في الجامعات الناشئة (صناعة البحث العلمي في الجامعات الناشئة.pdf - B)
- لأدوار المنتظرة من الجامعات الناشئة في صناعة البحث العلمي (الأدوار المنتظرة من الجامعات الناشئة في صناعة البحث العلمي.pdf - B)