اساءة معاملة المعا
اساءة معاملة الوالدين لابنهم المعاق
وتعد مرحلة الطفولة وامتدادها الذي يشمل المراهقة وحتى البلوغ؛ من أهم مراحل حياة الإنسان، إذ تلعب دوراً رئيساً في بناء شخصيته مستقبلاً، على أساس مقومات النمو السليم وإشباع حاجاته الأساسية، سواء كانت حاجاته الجسمية البيولوجية، أم حاجاته النفسية المتمثّلة من حب وحنان وعطف وشعور بالأمن والأمان، وحاجته إلى التقدير والانتماء والإنتاج والإلمام بالمهارات الأساسية لمتطلبات حياته في الأسرة والمجتمع اللذين يسهمان في تنميته(عثمان لبيب، 2001: 13).
والبذور الأولى للشخصية الإنسانية تغرس في السنوات الأولى من حياته أي في مرحلة المدرسة وما قبل المدرسة، فهذه المرحلة هي مرحلة التشكيل والتعديل والنمو، وذلك من خلال التفاعل والاحتكاك مع عناصر البيئة المحيطة به( محمد عليان، وعماد الكحلوت، 2005: 703).
وتعد الإعاقة من الأمور التي قد تصيب الأطفال في عمر مبكرة وذلك نتيجة للعديد من الظروف والعوامل التي قد تكون وراثية أو بيئية مكتسبة أو لظروف مجتمعية, وهذا الأمر قد يشكّل لبعض الأسر مصدراً للقلق والخوف وبالتالي قد يفقدها الكثير من الأساسيات الواجب إتباعها وتطبيقها لرعاية وتنشئة هذا الطفل المعوّق, الأمر الذي قد يؤدى إلى عدم التقبل(الضمني أو المعلن ) من قبل الأسرة لهذا الطفل, ممّا قد يدفع الأسرة إلى إيقاع الأذى بمختلف أشكاله على هذا الطفل المعوّق (وحيد كامل، 2005: 1)
إن الإساءة اللفظية التي تتضمن الازدراء والسخرية والاستهزاء والسباب من قبل الوالدين للأطفال المعوّقين كفيلة بأن تحدّد ملامح أساسية في شخصياتهم و تؤثر لدى الكثير منهم في رفع الروح العدوانية، فالتنشئة الاجتماعية المنزلية المبنية على الذم والسباب، تحفّز ظهور الروح العدوانية المكبوتة لدى الطفل لتثير فيه العنف والحقد والكراهية واستخدام القوة للرد من أجل رفع القهر الناتج عن هذا الاستهزاء.
فتعتبر ظاهرة الإساءة اللفظية للأطفال المعوّقين من أخطر الظواهر التي تقف في وجه تقدّم المجتمع وتهدّد تماسكه في كونها تنشئة اجتماعية غير صحية وخاطئة لذلك توجهت الأنظار من أجل العمل على إيجاد نظام لحماية الأطفال الأصحّاء عامةً والمعوّقين خاصة وأن تاريخ الطفولة يعتبر مظلماً منذ قرون، حيث سادت أشكال القتل والتعذيب تلك العصور(عبدالفتاح الهمص، 2006: 3).
وإن أكثر المشاكل بين الأطفال كانت بسبب السخرية والاستهزاء وتسلط الكبار على الصغار، كما ترجع صراعات الأطفال المعوّقين إلى كل من الاستفزاز والسخرية والتربية أو التنشئة المنزلية غير السوية، فالإساءة اللفظية لا تتوقف عند السخرية والاستهزاء بل تتعدّى ذلك لتأخذ أشكالاً أخرى متعددة من عدم المساواة الشخصية والنبذ الاجتماعي واغتصاب الحقوق وعدم العدالة في بعض المواقف(محمد الشقيرات، وعامر المصري، 2001: 23).
ومن الأمور التي يكاد يجمع عليها علماء التربية أن الولد إذا عومل من قبل أبويه ومربيه المعاملة القاسية، وأدّب من قبلهم بالضرب الشديد والتوبيخ، وكان دائماً الهدف في التحقير والازدراء والتشهير والسخرية؛ فإن ردود الفعل ستظهر في سلوكه وخلقه، وإن ظاهرة الخوف والانكماش ستبدو في تصرفاته وأفعاله، وقد يؤول به الأمر إلى الانتحار حيناً، أو إلى مقاتلة أبويه أحياناً، أو إلى ترك البيت نهائياً، تخلّصاً ممّا يعانيه من القسوة الظالمة، والمعاملة الأليمة، والإسلام بتعاليمه القويمة الخالدة يأمر كل من كان في عنقه مسؤولية التوجيه والتربية، ولا سيّما الآباء والأمهات، أن يتحلوا بالأخلاق العالية والملاطفة الرصينة، والمعاملة الرحيمة، حتى ينشأ الأولاد على الاستقامة، ويتربوا على الجرأة واستقلال الشخصية وبالتالي حتى يشعروا أنهم ذوو تقدير واحترام وكرامة(عبد الله علوان، 1984: 135- 136).قال تعالى: )إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى..( (النحل، آية: 90)، وقوله تعالى: ) وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ( ( آل عمران، آية: 143)، وقوله تعالى: ) وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً ( (البقرة، آية: 83).
وما ورد في الحديث الشريف فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا أراد الله عز وجل بأهل بيت خيراً أدخل عليهم الرفق " (مسند أحمد، ب.ت: 71)، وعن ابن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء" (صحيح البخاري، 1987: 574).
جاء رجل إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يشكو إليه عقوق ابنه، فأحضر عمر الولد وأنّبه على عقوقه لأبيه، ونسيانه لحقوقه، فقال الولد: يا أمير المؤمنين أليس للولد حقوق على أبيه؟ قال: بلى، قال: فما هي يا أمير المؤمنين؟ قال عمر: أن ينتقي أمه، ويحسن اسمه، ويعلمه الكتاب ( أي القرآن)، قال الولد: يا أمير المؤمنين إن أبي لم يفعل شيئاً من ذلك، أما أمي فإنها زنجية كانت لمجوسي، وقد سماني جُعلاً ( أي خنفساء)، ولم يعلمني من الكتاب حرفاً واحداً، فالتفت عمر إلى الرجل وقال له: جئت إليّ تشكو عقوق ابنك، وقد عققته قبل أن يعقّك، وأسأت إليه قبل أن يُسيء إليك؟!
كما يعاني الأطفال المعوّقين من مشكلات تكيّفية في نموهم الاجتماعي؛ وذلك بسبب صعوبة فهم الآخرين لهم (فاروق الروسان، 1996: 149).
إن إعاقة أي فرد في الأسرة؛ هي إعاقة لأسرته في نفس الوقت، ومن المسئوليات الملقاة على عاتق الأسرة تجاه المعوّق مساعدته في النقل وتهيئة السبل المناسبة ليتمكن من الاعتماد على نفسه في قضاء حاجته، والعلاقات الاجتماعية داخل الأسرة لها أثر بالغ على توافق المقعد إذا كانت متماسكة (محمد النجار،1997: 38).
إمّا إذا كانت هذه العلاقة سلبية فإنها تؤثر على المعوّق أكثر من تأثير الإعاقة نفسها (مختار حمزة،1975: 152) فالمعاق بحاجة إلى عطف الوالدين ورعايتهما على أتم وجه وكلما كان أفراد الأسرة متوافقين وبإمكانهما تقبل المعوّق؛ كلما سهّل هذا عملية تقبله لذاته (Gregory، 1974: 20)، كما أن الوالدين يمكنهما أن يشجعا طفلهما المعوّق عن طريق تعزيز الدافعية لديه، لكي يتقبّل الرضا والتوافق النفسي (Peter، 1975: 67).
كما تظهر المشكلات الاجتماعية؛ نتيجة توتر العلاقات بين المعوّقين وأفراد أسرهم؛ وذلك لعدم إعطائهم نفس القدر من الاهتمام الذي يعطى للطفل العادي، وأياً كان موقع الطفل فهذا تأثيره على تفاعل باقي أعضاء الأسرة، ويحتاج الأمر لمواجهة تلك المشكلات إلى إرادة ورغبة وقدرة عالية على التكيّف (ماهر أبو المعاطي، 2004: 147).