الأطفال والمرض الن
الأطفال والمرض النفسي
س1- ما هو مفهوم الطفل التوحدي؟
جـ1- أولا: لا أوافق على ترجمة Autism إلى "التوحد" وبالتالى يكون تعبير الطفل التوحدي Autistic Child، خطأ شائع. الترجمة الصحيحة هى "الطفل الذاَتِوى" لأنه طفل "منغلق" على "ذاته" ليس متوحدا مع غيره، هذا فضلا على احتمال خلط بين التوحيد والتوحد، وكما لا يخفى كيف أن التوحيد هو معنى شديد القداسة، في حين أن التوحد قد يختلط أحيانا بآلية (ميكانزم) التقمص .
كما أحب أن أنبه أن هذا التشخيص أصبح يستعمل بلا مسئولية لوصف بعض حالات التخلف العقلى الأولى الواضح، ويظن بعض الزملاء أن هذا يخفف الواقع على الأهل، ولا أحسب أن الأمر كذلك فضلا عن أنه قدر لا يجوز من الخداع بشكل أو بآخر.
س2- هل هو مرض نفسى أم عضوى وأسباب ظهوره؟
جـ2- التفرقة بين العضوى والنفسى لا مكان لها هنا، فالمرض النفسى، أيا كان نوعه، له جذور عضوية، وبالعكس، وعدم استعمال القدرات المعرفيه فى حالة الذاتّوية يترتب عليه خلل عضوى يسمى "ضمور عدم الاستعمال" والضمور هو أثر عضوى.
س3- ما هى أعراض مرض التوحد؟
جـ3- هى أعراض الانغلاق على الذات فى أغلب أو كل مظاهر السلوك، وأيضا فى عمق التركيب النفسى العضوى المنغلق، وهى تظهر فى شكل كمىّ فى تأخر معالم النمو عامة، لكن ذلك يحدث أيضا مع التخلف العقلى (الخِلْقى خاصة) الذى يعلن نقص أو ضمور القدرات المعرفية بشكل أولى.
الطفل الذاتوى يتأخر فى النمو ليس لقصور أولى بالضرورة ولكن لعجز عن التجاوب مع مثيرات النمو لأنه منفصل عما حوله بشكل يعلن انسحابه من الحياة، وبالتالى من العلاقة "بالآخر": وأولهم الأم.
الجانب الأهم الذى تتجلى فيه أعراض الذاتوية الطفلية هو سلوكيات التواصل وبالذات اللغة اللفظية، ثم الإشارية والجسدية – لكن تظل هناك بؤر منفصله تبدو وكأنها تتجسس على المحيط حولها، مثل نظراته: يوصف الطفل الذاتوى أحيانا بأن نظرته مستكشفه كَمن ينظر من داخله، فهو يستكشف العالم خارجه، ويقال إنها "نظرة ذكية" تعبيرا مجازيا أو حقيقيا.
س4- من هم الأطفال الأكثر عرضه للمرض؟
جـ4- توجد نظريات كثيرة، وأرقام إحصائية مختلفة للرد على هذا السؤال، فثم احتمال لوراثه ما، ليس بالضرورة لنفس المرض، ولكن لأمراض عقلية ونفسية أخرى تصل حتى بعض أنواع عَتََهْ الشيخوخة، كما أن هناك نظريات وفروض تربط بين انغلاق الأم على نفسها وعدم قدرتها على العطاء وبين الاستهداف للذاتوية، ثم هناك احتمالات أن تكون الذاتوية نتيجة تأثيرات ضارة لحقت بالأم أثناء الحمل، وكلها فروض هامة لكنها ليست حاسمة، ولا هى فى اتجاه واحد.
س5- ما هو سن ظهور المرض؟
جـ5- يمكن أن تلمح معالم منذرة للمرض منذ لحظة الولادة، مثل عزوف الوليد من البداية عن تناول الثدى أو تأخره الشديد فى ذلك، ورصد بداية المرض تحديدا يتوقف على مدى إنتباه الأم، والمحيطين، وأيضا على خبرة الأم بأطفال عاديين سبق أن ولدتهم حسب ترتيب الطفل الذاتوى بين إخوته، وقد لا يكتشف الوالدان والأسرة بداية المرض إلا بعد شهور وأحيانا سنوات نتيجة لفرط الرعاية العامية أو للإنكار أو للإهمال، وعادة ما تكتشف الأعراض بمقارنتها بالتوقعات المنتظرة من الطفل باعتبارها علامات على النمو، أو بمقارنته بأطفال فى سنه، أو بتاريخ نمو أطفال سبقوه.
س6- ما تأثير المرض على النمو الذهنى للطفل؟
جـ6- يؤثر المرض سلبا على نمو القدرات المعرفية والتواصلية نتيجة لعدم الاستعمال –كما قلنا- مما يؤدى إلى نوع من التخلف العقلى الذى يقاس باختبارات الذكاء، علما بأن تقييم الذكاء فى سن باكرة جدا هو أمر شديد الصعوبة. لكن فى نهاية النهاية – تضمن قدراته المعرفية فى معظم الأحوال، وإن كان يتميز أحيانا عن التخلف العقلى الأولى بأنّ ثمة بؤر متفرقه من نوعيات معينة من ذكاء خاص –كما ذكرنا- قد تكون سليمة، ويمكن رصدها باختبارات خاصة.
س7- هل أسلوب تعامل الوالدين عليه عامل فى ظهور المرض عند الطفل؟
جـ7- نعم، فالطفل الذى ينسحب من الموضوع (الأم فالأسرة) من أول لحظة لا ينبغى أن نستجيب له بانسحاب مقابل، وكأننا – ولو "لاشعوريا" – نعاقبه (واحده بواحده) – إن رصد الانغلاق على الذات عند الطفل منذ الولادة يتطلب إحاطة أكثر، وانتباها أشد حدة، وصبرا، وتدريبا، وفرصا متنوعة متغيرة حسب الاستجابة، كل ذلك يستحسن أن يجرى تحت اشراف وتدريب وتوجيه ومتابعة، وبرامج، وكل ذلك يساهم فيه الوالدين إسهاما إيجابيا إذا احسن تدريباتهم على ذلك.
س8- هل هذا المرض وراثى؟
جـ8- سبق الإشارة إلى هذا فى إجابة سؤال رقم 4
س9- ما هو علاج مرض التوحد؟
جـ9- لا يوجد علاج عضوى محدد مثل "عقاقير بذاتها" ولكن توجد برامج تأهيلية ممتده للأسرة والطفل والمؤسسات التأهيلية للأطفال عموما، ولهذا النوع تحديدا، وهى تقلل كثيرا من مدى الضمور الذى يصيب القدرات المعرفيه والتواصليه بعدم الاستعمال.
س10- هل يمكن أن يخضع الذاتوى للعلاج بمنزله؟ أم من الضرورى ذهابه لدار رعاية خاصة؟
جـ10- يمكن أن يعالج الذاتوى بالمنزل تحت إشراف مختصين يزورهم مع الأهل بانتظام، ويتوقف ذلك على مدى استعداد واستجابة وقدرة الأهل على استيعاب برامج التدريب، وخاصة الأم فى المراحل الأولى، وكأننا حين نوصى بذلك – وهو جيد جدا – نقوم بتأهيل الأهل ليؤهلوا طفلهم، كما ينبغى أن تكون هناك محكات ومقاييس منتظمة تتتبع مدى الالتزام بالبرامج، ومدى نجاحها، واحتمالات تطويلها أو تعديلها...الخ.
س11- هل يتم الشفاء كلياً من المرض ويصبح طفل طبيعى؟
جـ11- حكاية يتم الشفاء أو لا يتم هذا أمر نسبى ليس فقط بالنسبة للطفل الذاتوى ولكن بالنسبة لكل الامراض النفسية، ثم ما هى حكايه "تماما" هذه؟ وهل هناك أحد يشفى تماما؟؟!! المهم هو الحفاظ على الأمل طول الوقت واستمرار التدريب والتأهيل ربما طول العمر، "والذى فيه الخير يقدمه الله، والعلم وحب الحياة والإصرار والصبر والمثابرة طول الوقت.
س12- نسبة الشفاء من مرض التوحد؟
جـ12- تختلف المسألة من مجتمع لمجتمع، ومن طفل لطفل، ومن برنامج لبرنامج، وبالتالى لا يمكن تحديد نسبة الشفاء عامة، كما لا يمكن تعريف كلمة "شفاء" هنا تعريفا موضوعيا محددا كما أشرنا سابقا.
- حول الأطفال الذين لم يتم نسبهم لأب بحكم المحكمة؟ ووجهة النظر الطبية فى الأثر النفسى الذى قد تخلطه حوادث مثل هذه فى حياه الشخص الذى لم يتم نسبه لأب من الناحية الاجتماعية والعملية؟
هذا السؤال بديهى، الاجابة عليه "بنعم" تصبح سطحية غبية، المصيبة فى الأب الذى تنكر لابنه لو كان معروفا، مثل القضية المثارة حاليا، فإن لم يكن معروفا فهو ابن الدولة، وأخشى أن أقول ابن الله ليس بالمعنى المسيحى الكريم، يسمونه فى البلاد المتقدمة التى تحترم آدمية البشر، الطفل الطبيعى En Fant natural فى حين نسمية عن الطفل الشرعى، مع أنه شرعى مائة فى المائه، لأنه لم يخالف أى شريعة، وهو ينزل من بطن أمه، أظن أن الأب هو غير الشرعى، وخاصة إذا كان أنكره، وقد تكون الأم كذلك، عاشور الناجى الكبير، والد كل فتوات ملحمة الحرافيش، ابن لقيط، فى حين أن عز ينوى بطل رواية العطر لباتريك سوزكند هو أيضا ابن بلا أب معروف، الفرق بينهما ان الشيخ عفرة زيدان احتوى عاشور الناجى، الطفل فكان هذا الرمز للعدل والقوة، فى حين أن عز يقول الذى ولد بلا رائحة (بمعنى الوصلة بينهم وبين الخلق، والخالق) ظل طريد الكل فأصبح قاتل الكل.
الاشكال ليس فى الطفل، وإنما فينا نحن قبل وبعد ولادة الطفل البرئ إلا من جرائمنا حين يتحمل وزرها دوننا.
- أيهما طفل طبيعى المشاكس الشرس (الضارب) أم الطيب المسالم (المضروب) وأيهما يكثر وجوده فى العيادة النفسية؟
لا يوجد تصنيف إلى ما هو طبيعى أو غير طبيعى لمجرد أن الطفل مشاكس أو مسالم خاصة إذا التصقت كلمة "مسالم" بما يسمى "المضروب". الطفل المشاكس قد يكون مجرد طفل نشط وافر النشاط، أما المسالم فقد يكون هادئ متأملاً جميلاً (وليس بالضرورة مضروبا).
وبالتالى لا يوجد ما يبرر بأن نفترض أن العيادة النفسية هى المكان الذى يمتلئ بهذا النوع دون ذاك مادام الأمر لا يعد مرضا وإنما اختلاف طباع.
- هل تلعب الجينات الوراثية أو التربية أو مشاهدة التلفاز دوراً فى ذلك؟!
الإستعداد الوراثى وارد لوفرة النشاط أو الهدوء فى أسرة بذاتها، لكن هذا لا يعنى استعداد لمرض بذاته، وإنما هو ميل قد تغيره البيئة - بما فى ذلك التليفزيون - أو تنفخ فيه أو قد يضمر بسببها.
- ما هو التأثير النفسى لعمل الأطفال فى السينما على شخصيتهم وسلوكياتهم؟
سواء فى السينما أو غير السينما، أنا أعتبر - مع استثناءات نادرة – أن التمثيل عموما فى هذه السن نوع من "استعمال الأطفال" وليس تنمية لمواهبهم، الطفل فى مرحلة النمو يحتاج أن يكون نفسه، لا أن يلبس صورة غير صورته، ولو تمثيلا يصفق له، خاصة أن عملية التصدير شئ آخر غير ما تشهده فى نهاية المطاف.
فإذا اضطر مخرج أو منتج إلى الاستعانة بطفل لضرورة ما، فهو حق للفن، ولكن ينبغى أن نعلم أن ذلك على حساب الطفل.
إذن: قد يجوز السماح مرّة أو مرتين بمثل ذلك، أما أن يكون الطفل مشروع استثمار على حساب تكوين ذاته ونموه فهذا ضار ضار ضار.
- هل هناك أمراض معروفة أصابت نجوم الأطفال فى السينما العالمية؟
المسألة ليست مرضا بذاته، وإنما هى احتمال تشويه وتحويل لمسار نمو الطفل الطبيعى، والذين يذكرون الطفلة الرائعة فيروز مع أنور وجدى لابد أن يتعجبوا لما آلت إليه حين كبرت، وامتلأت بالبدانة، وانطفأت موهبتها، وأخشى أن أقول أنطفأت حياتها لا قدّر الله، لا توجد أمراض بذاتها يمكن تعدادها، وإنما هى تشويهات وإعاقة.
- هل تشجع عمل الأطفال فى السينما وما هى نصحيتك لأولياء الأمور الذين يقبلون على عمل أبنائهم فى هذا المجال؟
سبق الرد على هذا السؤال فيما سبق من إجابات الاسئلة السابقة، وعموما فإن الطفل المشروع الاستثمارى سواء فى السينما، أو حتى فى تحقيق تفوق عجز والده أو والدته عن تحقيقه هو من أكثر أنواع التربية إضرارا، وقد سبق أن أشرت أن التمثيل بالذات إذا جاز لظروف استثنائية، فيستحسن ألا يتكرر مهما بدا أن الطفل موهوب فيه.
- هناك رسالة دكتوراه أثبتت الآثار الضارة جداً على الأطفال نتيجة لضرب الوالدين لهم فى المنزل ما تعليق سيادتكم؟ وكيف نتعامل مع الطفل المشاغب (المستحق للضرب) دون استخدام هذه الوسيلة الضارة؟
لا يحتاج الأمر إلى رسالة دكتوراه لأثبات الآثارالضارة على الأطفال نتيجة لضرب الوالدين فى المنزل، أرجو أن نخفف تقديسنا لرسائل الدكتوراه وللأبحاث عموماً قبل أن نلجأ إلى فرض حقائق عمومية خالية من أية تفاصيل وبالتالى من أية فائدة حقيقية.
الأهم هو أن نعرف معنى الضرب إن لزم، ومكان الضرب، وسبب الضرب، وتوقيت الضرب، وعلاقة الأب الخاصة جداً بهذا الأبن أو البنت بالذات، وعلاقات أخرى كثيرا بدلا من هذا التعميم مستشهدين برسالة دكتوراه دون أن نعرف ما ينبغى عن المنهج والعينة والجديد فيها.
أما حكاية الطفل المشاغب فهى أكثر غموضاً، لأنه ليس كل مشاغب يستحق الضرب، مفرط النشاط مثلاً ليست مشاغبة وإن بدت كذلك، وعموماً لا يوجد طفل يستحق الضرب هذه الأيام ليس لأنه لا يوجد طفل بلا أخطاء، أو لايحتاج لعقاب ولكن لأن الأباء تخلوا عن مسؤولية الأقتراب من أطفالهم، ومواكبتهم، ومصاحبتهم، والترحال معهم، وبالتالى ليس من حقهم أن يقتربوا من أجسادهم عقاباً بالضرب وربما بغيره.
- هل الطفل الذى ليس له أخوات يعانى مشاكل نفسية أم يتمتع باهتمام لا مثيل له؟
فى الوقت الحاضر، وبعد أن اختفت ما يسمى "الأسرة الممتدة" التى تشمل الأعمام والخالات حتى الأجداد بل والجيران، وحلت محلها الأسرة النووية، أى المتقصرة على أب واحد وأم واحدة وطفل أو أثنين، بعد أن حدث ذلك أصبحت مشكلة الطفل الوحيد جديرة بالإهتمام....، ولكن هذا لا يعنى أنه لابد أن يعانى من مشاكل نفسية وإن كان هو أكثر عرضه لذلك ما لم يعوضه النادى والمدرسة وصداقة الوالدين.
- هل هناك ارتباط بين الطفل الوحيد وصفة الأنانية؟
نعم، ولكنها ليست القاعدة أيضا، إن ذلك يتوقف على موقف الوالدين، وتركيزهما عليه ونوع إمتلاكهما له، أو على العكس صداقتها له ولأصحابه كأولادهم.
- هل هناك سمات شخصية لهذا الطفل تظل معه بقية حياته؟
أكرر أنه لا توجد قاعدة، وأن الأمر يتوقف على عوامل أخرى كثيرة، وعلى فرص التعويض السالفة الذكر فى الإجابة على الاسئلة السابقة، فالطفل الوحيد قد يشعر بحاجة أكبر لخلق إخوة ليسوا إخوة فى الدم وبالتالى يصبح أكثر أقبالا على الناس، لكن طفلا وحيداً آخر قد يشعر أنه لم يتعود على مشاركة أقران له فى سنِّه، فينغلق على نفسه، وهكذا.
- الآثار النفسية للنظام الحالى والمرتقبة فى حالة تطبيق الإتجاه الجديد (على نفسية الطفل)؟
- أكاد لا أوافق على أى من النظامين، وإن كان من البديهى الظاهر أن يكون اليوم الكامل أفضل، ولكن هذا يتوقف على موقف المضيف (غير الحاضن) لأن النفوس إذا كانت غير صافية، فإن يوما كاملا يمكن أن يكون فرصة ليتمزق فيها الطفل أكثر تشتتا مما لو كان الأمر لبضعة ساعات.
علينا أن نحترم أعطاء الفرصة الأطول كحق للوالد أوالوالدة وليس بالضرورة، بما يفيد الطفل تلقائيا فكل حالة لها ظروفها، وتختلف أثر الضيافة على أخلاق موقف المضيف (غير الحاضن)
- الوضع الأفضل وضمانات الاستقرار النفسى بالنسبة للطفل فى حالة الأخذ بالنظام المشار إليه؟
- سبق الإجابة عليه فى سؤال (1).
- الضوابط التى يجب أن يأخذ بها المشرع كى لا يكون هناك تعميم فى التطبيق على الاطراف غير الحاضنة التى تستحق أو التى لا تستحق؟
- لأ أظن أن المشرع يستطيع أن يفرض ضوابط كافية، فالعبرة كما ذكرت ليست بعدد الساعات، وإنما بالنوايا الحسنة، والمسئولية المشتركة، والموقف الأخلاقى والدينى، وهذا كله لاينفع فيه ضوابط المشرع ولا تدخله، وإنما الله سبحانه هو الذى يحكم بيننا، وهو يرانا فى السر والعلن، أثناء الضيافة وبعيدا عن الضيافة، فإن كان الحاضن أو غير الحاضن لايرى الله، فإن الله يراه.
وربنا يستر.
- نحن نجرى تحقيقاً صحفياً حول الأطفال الذين لم يتم نسبهم لأب بحكم المحكمة ونريد أن نعرف وجهة النظر الطبية فى الأثر النفسى الذى قد تخلطه حادث مثل هذه فى حياه الشخص الذى لم يتم نسبه لأب من الناحية الاجتماعية والعملية؟
- هذا السؤال بديهى، الاجابة عليه "بنعم" تصبح سطحية غبية، المصيبة فى الأب الذى تنكر لابنه لو كان معروفا، مثل القضية المثارة حاليا، فإن لم يكن معروفا فهو ابن الدولة، وأخشى أن أقول ابن الله ليس بالمعنى المسيحى الكريم، يسمونه فى البلاد المتقدمة التى تحترم آدمية البشر، الطفل الطبيعى En Fant natural فى حين نسمية عن الطفل الشرعى، مع أنه شرعى مائة فى المائه، لأنه لم يخالف أى شريعة، وهو ينزل من بطن أمه، أظن أن الأب هو غير الشرعى، وخاصة إذا كان أنكره، وقد تكون الأم كذلك، عاشور الناجى الكبير، والد كل فتوات ملحمة الحرافيش، ابن لقيط، فى حين أن عز ينوى بطل رواية العطر لباتريك سوزكند هو أيضا ابن بلا أب معروف، الفرق بينهما ان الشيخ عفرة زيدان احتوى عاشور الناجى، الطفل فكان هذا الرمز للعدل والقوة، فى حين أن عز يقول الذى ولد بلا رائحة (بمعنى الوصلة بينهم وبين الخلق، والخالق) ظل طريد الكل فأصبح قاتل الكل.
الاشكال ليس فى الطفل، وإنما فينا نحن قبل وبعد ولادة الطفل البرئ إلا من جرائمنا حين يتحمل وزرها دوننا.
نداء الوالدين بالأسم
- لماذا اختفت كلمة بابا وماما وحل محلها نداء الوالدين باسم أى منهما؟
- من حق كل طفل أن ينتمى إلى أب وأم، حتى لو حرم الأب والأم، فإنه حتما ينتمى إلى من يقوم مقامهما. والواقع أن نداء الأولاد والبنات لأهلهم بالأسماء المجردة يقلل من التأكيد على هذا الحق بشكل أو بآخر. ومع ذلك ففى الأمر وجه آخر، وجه طيب فى نفس الوقت فمن ناحية هو يزيل الحاجز بين الجيل الأصغر والأكبر، ويكاد يدعو إلى نوع من المساواة تقلل من الهيبة وتخفف من الرهبة التى اعتدناها بين الأجيال.
ولكن من الناحية الأخرى فإن ذلك قد يحرم الطفل من رؤية الكبير كبيرا، قادرا، ومصدرا للرعاية والاعتماد.
ويزداد الخطر حتما حين يختلط هذين البعدين، ففى حين يبدو ظاهر النداء مزيلا للحواجز، قد تدل سائر تصرفات الوالدين على القهر، والقسوة، وافتقاد الحوار، وكأن المسألة شكلية تماما.
ويرجع الأمر بشكل أو بآخر إلى استيراد عادات ليست من واقعنا ولا من تقاليدنا، وياليتنا نستوردها صفقة مكتملة، فالواقع أننا نستورد منها شكلها أو سطحها دون جوهرها أو عمقها.
وأظن أن نداء الطفل لوالديه بالاسم يأتى مصدره من نداء الوالد للوالدة باسمها مجردا، وبالعكس، فيتقمص الطفل والده أو والدته ويناديه باسمه مقلدا.
ولابد ونحن نعيد النظر فى هذه الأمور أن نتذكر أننا كونفوشيسيون أكثر منا فرويديون، (كونفوشيوس الفيلسوف الصينى الذى بنيت فلسفته على توقير الكبير) بمعنى أن قيمنا ضاربة العمق فى الفكر الشرقى، وليست نابعة أصلا من الفكر الغربى، ثم نحن مسلمون مصريون، حيث للكبير مكانه ومكانته فى الحضارة المصرية القديمة، وفى الدين الإسلامى على حد سواء.
وأخيرا لابد أن يكون للمجتمع معالم تميزه بشكل أو بآخر، فما يجرى فى القرية غير ما يجرى فى المدينة، وما يحدث فى الأسرة البرجوازية الصغيرة غير ما يحدث فى أسرة العامل الحرفى، أو رجل الأعمال، وهذا التضارب يظهر مجتعنا وكأنه سلاطة تتجمع كيفما اتفق.
****
قتل الأم رضيعها
- إن قتل الأم رضيعها سواء كان وحيدها أو لم يكن هو أمر خطير الدلالة شائك التناول، ذلك لأنه أولا ضد الطبيعة البيولوجية (الحيوانية والإنسانية على حد سواء)، فالقطة تهرب بأولادها فى فمها قافزة فوق الأسطح لتحميهم من أى خطر عابر، والله سبحانه وضع غريزة الأمومة ليحافظ على الحياة برمتها، فمن غير المعقول أن يكون هذا العمل من وحى العقل، ولا حتى من وحى الغريزة لأنه - كما أسلفنا - هو ضد الحياة، إذن فالأمر يحتاج إلى وقفة وتفسير؟
1- أن يكون قتل الرضيع نتيجة قد حدثت والوعى مغيب أو مختلط، وبالتالى تتشوش الأمور بدرجة تسمح بإزهاق الروح دون إدراك حقيقة الفعل وحجمه.
2- وقد يكون القتل مظهرا لما يمكن أن يسمي "الرحمة المجنونة" كما يحدث فى حالات الاكتئاب الذهانى حيث يرى المريض فى هذه الحالات أن العالم سيء وقاس وبشع ومخيف، فتقتل الأم رضيعها وهى تتصور أنها ترحمه مما ينتظره فى هذا العالم الغادر اللئيم.
3- وقد يكون القتل مكافئا للانتحار، ويحدث هذا حين تقتل الأم طفلتها الأنثى بالذات، إذ تسقط الأم على رضيعتها الطفلة الكامنة فى داخلها، وبالتالى هى لا تقتل ابنتها التى ولدتها وأصبحت كيانا خارجا عنها، وإنما هى تقتلها وكأنها تقتل نفسها "حالة كونها طفلة" لا أكثر ولا أقل.
4- وفى حالات أخرى قد تتم عملية القتل كجزء لا يتجزأ من منظومة انتقامية أكبر، مثل الانتقام من والد الطفلة، أو الثأر لكرامة الأم التى امتهنها الوالد حتى السحق، أو للتخلص من رباط مع والد الطفلة الذى بلغ من درجة قهره وامتهانه ما يبرر الخلاص من أى ارتباط بأى رمز من طرف هذا القاهر الظالم.
وفى الحالات الثلاثة الأولى قد تسقط المسئولية عن القاتلة بسبب المرض، أما فى الحالة الرابعة فالمسألة تختلف حسب كل حالة على حدة.
وبصفة عامة فإنه لا ينبغى الحكم على مثل هذه الحالات من معلومات نشرت فى الصحف لا نعرف مدى مصداقيتها، فالمسألة تحتاج إلى فحص مباشر، وتدقيق هائل، قبل أن نتصدى لأى حالة منفردة.
****
عن صور البطولة الخارقة والقيم المستوردة
- فى هذه الفترة التى يتحسس فيها العالم معالم ما يسمى "النظام العالمى الجديد" والذى لم تتحدد أبعاده بعد، ينظر كل إنسان فى نفسه ومن حوله وإلى أبنائه وبناته، ليتساءل كيف وإلى أين؟
وفى نفس الوقت ننظر إلى المستقبل الجامح ونحن نعد أطفالنا له، ولاندرى كيف نصيغهم ليتحملوا مسئوليته، وليساهموا فى شرف حضارته.
تعالوا نرى النماذج المستوردة
سوبر ميكى (وليس ميكى)، والرجل الأخضر، وتان تان، والمصارعة فى التليفزيون،...إلخ والاختباء فى ظاهر الدين يلف رؤوس الكبار، ويتخلل لحاهم، وكأنهم قد أبرأوا ذممهم بلبس قشرة الإسلام والروح الجاهلية. ثم يفرضون ذلك على أطفال المدارس وكأنهم حققوا حضارة الإسلام غير مهتمين بنفس القدر بتنمية القيم الإنسانية التى قدمها.
ولابد من إعلان موقفى ابتداء وأمانة، وهو أننى لو خيرت بين قهر الطفل تحت قشرة شبه دينية لا يعرف معناها، وبين تشويه عقله بأساطير القوة المستوردة، لاخترت الأخيرة، أملا فى أن يلفظها حين يكبر ويعرف حقيقة انتمائه وجوهر دينه.
لكن هذا لا يعنى الاستسلام دون شروط للقيم النابعة من قشور الحضارة الغربية مثل: قيمة القوة والسيطرة، وقيمة الرفاهية، ووقيمة الحرية التى أسموها حقوق الإنسان (رغم سيطرة المافيا ومراكز القوى الصهيونية والاستهلاكية) وحين تكون هذه هى القيم الرائجة، فلا ضير عليهم أن يقدموا لأطفالهم ما يخدم هذه القيم.
- فهل نريد يا ترى أهذا هو ما نريده تماما لأطفالنا؟
وقبل أن أواصل الأعتراض أو التحفظ، أذكر نفسى والقارئ أن صور البطولة العربية والإسلامية التى تقدم فى بعض محاولات مجلات الطفل العربى وبرامج التليفزيون ليست هى الصورة المثلى التى تنمى ما نتصور أنه ينتمى إلى حضارتنا أو ينادى به ديننا، فهى صور أغلبها أحادى الجانب، مسطح الأبعاد، ليس فيه عمق الخيال، ولا شطح تلقائية الفطرة، ولا ثراء الغيب، وهى صور يغلب عليها البعد الأخلاقى، والبعد المثالى، والبعد النصائحى، يغلب عليها كل ذلك حتى يجعلها منفرة، وذات أثر عكسى.
وعندنا أدباء عظام يكتبون للطفل، ولكن ليس عندنا الآله الإعلامية التى تستغل كتاباتهم استغلالا قادرا على أن ينافس قيم القوة المطلقة والسيطرة التنافسة، والحرية المشبوهة.
ثم إن عندنا ما نعتز به من تاريخ، ومن حاضر واعد، فخذ مثلا هذه القيم ومقابلاتها مما يرد إلينا منهم:
الفروسية ( فى مقابل قيمة السيطرة)، النجدة (فى مقابل قيمة الحذق والشطارة)، الطيبة القوية (فى مقابل قيم السذاجة)، الاستجارة والإجارة (فى مقابل قيمة التأمين) ومرة أخرى أنا أقرأ ميكى (وليس سوبر ميكى)، وأشاهد توم وجيرى، (وليس الرجل الأخضر)، وأحب أغانى هجاء أيام الدراسة، وأسخر من أغانى نفاق المدرسة، وذلك منذ كنت طفلا وحتى الآن
.http://www.rakhawy.org/a_site/