العصاب والذهان
العصاب والذهان
إعداد: د. منى توكل
هناك طائفة من الأطباء النَّفسيين تتبنى تقسيم الاضطرابات النفسية إلى مرض نفسيّ (عصاب)، أو عقلي (ذهان)، والعصابيون: أشخاص يتميزون بسهولة الانفعال، وتعساء تُسيطر عليهم بعض الأعراض المُحدَّدة، كالخوف من بعض الموضوعات، أو الخوف الشديد من المرض الجسمي، مِمَّا يصبغ حياتهم دائمًا بعدم الاستقرار والتهديد، وتوقّع الشر عندما لا يكون هناك شر؛ لكنهم في العادة قادرون على مواصلة النشاط بالرغم من القيود الداخلية، التي يفرضونها على أنفسهم، ويقال: إننا جميعًا نتعرض لبعض اللحظات العصابية في حياتنا، إثر أزمة أو خبرة من الخبرات المُؤْلِمَة في الحياة. والعصابي (المريض النفسي) يعي مرضه أو ما به من حالات نفسية غير سوية، كما يعي جيدا سلوكه ونشاطاته الفردية والاجتماعية. (مثال): إن المصاب بالهلوسة (هي انحراف بالحس والإدراك) قد يرى أو يسمع أشياء لا وجود لها في الواقع، إلا أنه يعلم جيدا أن هذه الأشياء التي يسمعها أو يراها لا وجود لها، لذلك يكون سلوكه طبيعيا وعاديا.
أما الذهانيون: فهم من طائفة أخرى، يطلق عليهم أحيانًا اسم المَرْضَى العقليين، أو المجانين، وهم باختصار: طائفة من الناس التُّعساء، ولكنهم خَطِرُون، وعديمو الفاعلية، وعادةً ما يعجِزون عن العمل والتكيف للحياة دون عون من الآخرين، اضطراباتهم حاسمة وخَطِرَة، وتَمَسُّ التفكير، أوِ السلوكَ الاجتماعيَّ، أو المِزَاجَ، أو هذه الأشياء كلها مجتمعة. والذهاني (المريض العقلي): قد يرى أو يسمع أشياء لا وجود لها ولكنه ـ وهذا ما يميزه ـ يقتنع فعلا بوجودها ويكون بموجب ذلك سلوكه ونشاطه وحركاته.ففي بعض أنواع الجنون يقول المريض بها، إنه يسمع صوتا أو يرى قادما من بعيد، لذلك فهو يصغي لهذا الصوت أو يجيب عن أسئلة وهمية أو يخاطب هذا الصوت غير الموجود. كما أنه قد يتقدم لمقابلة أو للهجوم على القادم أو يشير إليه.. إن المجنون هنا، يظن وجود أشياء غير موجودة ويبني سلوكه على هذا.
سنتعرض في هذا الفصل للأمراض النفسية (العصابية) من حيث المفهوم، والتصنيف؛ والأعراض، والأسباب والتشخيص وبعض الأنواع كالتالي:
تعريف العصاب:
هو اضطراب وظيفي دينامي انفعالي في الشخصية نفسي المنشأ يظهر في الأعراض العصابية. وهو ليس له علاقة بالأعصاب، وهو لا يتضمن أي نوع من الاضطراب التشريحي أو الفسيولوجي في الجهاز العصبي.
كما أنه مجموعة من الاضطرابات الوظيفية التي لم يكشف لها أي سبب عضوي وتصيب الشخص وتبدوا في صورة أعراض نفسية وجسمية وتعتبر المظاهر الخارجية لحالات من التوتر والصراع اللاشعور وتؤدي إلى اختلال جزئي يصيب أحد جوانب الشخصية.
ويعرف زهران: (1978: 392) العصاب على أنه "اضطراب وظيفي في الشخصية وهو حالة مرضية تجعل حياة الشخص العادي أقل سعادة، ويعتبره البعض صورة مخففة من (الذهان)، ومفهوم العصابية يعد من أكثر المفاهيم التي خضعت للدراسة والبحث في تراث علم نفس الشخصية، كما حظيت باهتمام بالغ من كثير من الباحثين النفسيين عبر عدة سنوات ماضية وطرحت لها العديد من التعريفات. وهناك فرق بين العصاب والمرض العصبي، حيث أن المرض العصبي اضطراب جسمي ينشأ عن تلف عضوي يصيب الجهاز العصبي مثل الشلل النصفي والصرع.
تصنيف العصاب:
يصنف العصاب إلى: القلق، وتوهم المرض، والوهن النفسي، والمخاوف، والهستيريا، وعصاب الوسواس القهري، والاكتئاب التفاعلي، والتفكك. ويضاف إلى ذلك أنواع أخرى من العصاب (مثل عصاب الحرب وعصاب الحادث وعصاب السجن وعصاب القدر).
ومن أبرز التعريفات وأكثرها شمولاً هو التعريف الذي قدمه كوستا ومكري (COSTA & MCCRAE,1992) بأن العصابية: مفهوم يتضمن ستة مظاهر أو سمات نوعية مميزة، وهي:
1- القلق (كالخوف، والشعور بالهم، وسرعة الاستثارة).
2- الغضب (كالتوتر عند التعرض للاحباطات).
3- الإكتئاب (كالانقباض، والتشاؤم، والشعور بالضيق).
4- الاندفاعية (كالعجز عن ضبط الاندفاعات أو التحكم فيها).
5- العدائية (كالشعور بالعداء اتجاه الآخرين).
6- سرعة الاستثارة (كضعف القدرة على تحمل الضغوط، والعجز، واليأس، وفقدان القدرة على اتخاذ قرارات صائبة)
أسباب العصاب:
من أهم أسباب العصاب:
1– مشكلات الحياة منذ الطفولة وعبر المراهقة وأثناء الرشد وحتى الشيخوخة (وخاصة المشكلات والصدمات التي تعمقت جذورها منذ الطفولة المبكرة بسبب اضطراب الوالدين والطفل، والحرمان والخوف والعدوان وعدم حل هذه المشكلات).
2– الصراع بين الدوافع الشعورية واللاشعورية أو بين الرغبات والحاجات المتعارضة والإحباط والكبت والتوتر الداخلي وضعف دفاعات الشخصية ضد الصراعات المختلفة.
3– البيئة المنزلية العصابية والعدوى النفسية إلى العصاب وكذلك فإن الحساسية الزائدة تجعل الفرد أكثر قابلية للعصاب.