الموهوبين منى توكل
الموهوبين في المملكة العربية السعودية
د. منى توكل السيد
إن تنوع الملكات البشرية حقيقة وواقع ملموس، وتفاوت المواهب أمر واضح ومشاهد، يمن الله بها على من يشاء من عباده، فإذا صُقلت هذه المواهب ونمت، عم الخير وكان الإبداع بإذن الله، وأدى التفوق البشري دوره المطلوب في استعمار الأرض. أما إذا ما أهملت تلك المواهب والملكات فإن ذلك يُعد تقصيراً، ليس في حق الأبناء الموهوبين أو المجتمع وحسب، بل في شكر الله وحده على عطاياه الجليلة.
إن موضوع التفوق والموهبة يحظى في العصر الحاضر بمكانة مهمة عند عدد غير قليل من بلدان العالم، وقد أثبتت البحوث والدراسات العلمية أن هناك ما نسبته بين 2-5% من الناس يمثلون المتفوقين والموهوبين، حيث يبرز من بينهم صفوة العلماء والمفكرين والمصلحين والقادة والمبتكرين والمخترعين، والذين اعتمدت الإنسانية منذ أقدم عصورها في تقدمها الحضاري على ما تنتجه أفكارهم وعقولهم من اختراعات وإبداعات وإصلاحات (القاطعي وآخرون، 2000).
ولقد عملت المملكة العربية السعودية الرشيدة على العناية بفئة الموهوبين فتم افتتاح إدارة خاصة بالموهوبين في وزارة التربية، واستحدثت مؤسسة الملك عبد العزيز للموهبة والإبداع وذلك لتلبية احتياجات الموهوبين وتقديم الرعاية الكاملة لهم .
وقد تم افتتاح أقسام لرعاية الموهوبين في كافة إدارات التربية والتعليم وكذلك إنشاء مراكز لرعاية الموهوبين ومن ضمنها ما تم افتتاحه في إدارة التربية والتعليم بمحافظة الزلفي التي تقوم بتنفيذ البرامج الحديثة التي تعنى بالطالب الموهوب وتهتم برعاية تنمية تفكيره وصقل موهبته وأهداف هذه البرامج استغلال طاقات الطلاب الموهوبين الإبداعية وتنميتها وتوفير الجو المناسب له وتلبية احتياجاته النفسية والاجتماعية والعلمية، وفتح آفاق من الإبداع من خلال برامج في توسعة مجال الإدراك وحل المشكلات والبحث العلمي . وقد كشفت نتائج العديد من الدراسات أن نسبة غير ضئيلة من المتفوقين والموهوبين يعانون من مشكلات مختلفة، ويواجهون بعض المعوقات في بيئاتهم الأسرية والمدرسية والمجتمعية، وأن هذه المشكلات والمعوقات تهدد أمنهم النفسي، وتولدّ داخلهم الصراع والتوتر، وقد تنحرف باستعداداتهم ومقدراتهم المتميزة لتأخذ مسارا عكسيا له مضاره عليهم وعلى مجتمعاتهم على حد سواء (Haynes, 2006)؛ ونتيجة للاختلاف الملحوظ في أفكار المتفوقين والموهوبين وقيمهم ومعاييرهم الخاصة، واهتماماتهم، عن أقرانهم العاديين والمحيطين بهم، فإنهم يواجهون صعوبات بالغة في توافقهم مع الآخرين كالشعور بالعزلة والوحدة والانطواء.
إن محاولة التعرف على أهم المشكلات التي يحتمل أن تواجه الطلاب المتفوقين والموهوبين ومدى اختلافها وتباينها، وما يستوجبه ذلك من توجيه الاهتمام إلى الخدمات الإرشادية، كخدمات أساسية ضمن البرامج المقدمة للطلاب المتفوقين والتي يتحتم علينا كآباء ومدرسين ومرشدين ومسئولين أن نواجهها معهم، ومحاولة إلقاء الضوء على بعض هذه المشكلات وبيان سبل الوقاية منها والتغلب عليها، تلفت هذه المحاولة نظر القائمين على أمور التنشئة الاجتماعية والتربية والتعليم والخدمة النفسية إلى ضرورة تهيئة البيئة المنزلية والمدرسية وتحسين الخدمات وطرائق التعامل معهم، بالكيفية التي تساعدهم على استثمار طاقاتهم وتنميتها إلى أقصى ما يمكنها الوصول إليه.