المكتبات الرقمية المفاهيم والتحديات وتأثيرها على مهنة المكتبيين
المكتبات الرقمية
المفاهيم والتحديات وتأثيرها على مهنة المكتبيين
1. مفاهيم المكتبة الرقمية :
على الرغم من أن منظومة المكتبات الرقمية قد دخلت فعلياً حيز التطبيق، إلا أنه من الصعب الوقوف على تعريف محدد خاص بها، خاصة تعريفًا متفقًا عليه من جانب جميع المتخصصين المرتبطين من قريب أو من بعيد بهذا المفهوم، وربما يرجع ذلك إلى تنوع وتباين وجهات النظر المعالجة لهذه الإشكالية، حيث إن المفاهيم المتنوعة للمكتبات الرقمية معطاة في الأساس بواسطة عدد من المتخصصين والهيئات والمنظمات، ويرى كل منهم مفهوم المكتبة الرقمية من منظور تخصصه، سواء كان العام أو الدقيق.
فيرى العاملون في مجال العلوم التطبيقية على سبيل المثال أن المكتبة الرقمية ما هي إلا مستودع ضخم يضم نصوص مصادر المعلومات في مرحلة ما قبل الطباعة النهائية وهي تكون في العادة نصوصًا غير مهيكلة، وغير محكمة، وغير مكشفة (مفهرسة)، وينظر المتخصصون في العلوم الطبية إلى المكتبة الرقمية على أنها تشتمل في أغلب الأحيان على الدوريات الإلكترونية المتخصصة، إلى جانب مجموعات المطبوعات التي يتم ضبطها بشكل عالٍ.
وفيما يتعلق بالباحثين في قطاع العلوم الإنسانية تتكون المكتبة الرقمية بشكل أساسي من مصادر المعلومات التقليدية المتاحة في شكل مطبوع والتي من الصعب إعادة نشرها ويتم رقمنة تلك المصادر بهدف تسهيل الوصول إليها وإمكانية إضافة التعليقات والحواشي والملاحظات عليها من جانب المستخدم. وأما بالنسبة للمتخصصين في علوم الحاسبات الآلية فالمكتبة الرقمية ما هي إلا مجموعة متشابكة ومعقدة من التجهيزات والتقنيات والبرمجيات والتطبيقات المستخدمة، وفيما يتعلق بموردي قواعد البيانات أو موردي مصادر المعلومات التجارية فالمكتبة الرقمية تشتمل - في المقام الأول - على مجموعة ضخمة من قواعد البيانات وما يتطلبها من خدمات تصب في الهدف الرئيسي لها، وهو إتاحة مصادر المعلومات الإلكترونية في متناول المستفيدين. وبالنسبة للمؤسسات والهيئات التجارية تمثل المكتبة الرقمية نظامًا متكاملاً لإدارة مصادر المعلومات الآلية منها أو المرقمنة، بهدف استخدامات تجارية بحتة، وأخيراً فيما يتعلق بدور النشر فمفهوم المكتبة الرقمية لا يتعدى إتاحة نسخة آلية من فهرس الناشر.
وفي ضوء هذه الاختلافات في المفاهيم العامة لتصور المكتبة الرقمية، سنحاول عبر الفقرات التالية الإحاطة بأهم التعريفات ومن ثم التعقيب عليها لاستشراف أوجه القصور والقوة فيها بهدف اقتراح مفهوم عام ومتكامل يمكن أن يكون نواة الاتفاق بين المتخصصين في علوم المكتبات والمعلومات على وجه الخصوص.
وتجدر الإشارة إلى أن هناك من يعتبر الشبكة العالمية العنكبوتية (الويب) بمثابة مكتبة رقمية ضخمة، وذلك على اعتبار أنها تتيح إمكانية نشر وإتاحة مصادر المعلومات الرقمية أو المرقمنة بأشكال متعددة منها النص، والصورة، والصوت، ومقاطع الفيديو، إلى غير ذلك. وفي مقابل هذا الرأي هناك مجموعة تعارض هذا الاتجاه وتكمن حجتهم في أن غالبية مصادر الويب ليست مهيكلة - أي ليست منظمة وفق قوالب معينة - بشكل كاف يسمح بالتحديد والوصول بسهولة إلى أوعية المعلومات المطلوبة، كما هو الحال في المكتبات ومؤسسات المعلومات.
وقد ظهر مصطلح "المكتبة الرقمية" إلى الوجود في عام 1994م من خلال المبادرة الخاصة بمشروع المكتبات الرقمية الممول بواسطة الإدارة القومية للملاحة الجوية والفضاء (ناسا) "National Aeronautics and space Administration" بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث تم تخصيص مبلغ 24.4 مليون دولار لست جامعات أمريكية بهدف البدء في مشروع بحثي حول المكتبة الرقمية، في ضوء الاستفادة من الزيادة السريعة والمطردة والتطور المذهل لشبكة المعلومات العالمية، إلي جانب تطوير وتحديث برمجيات التصفح ومستعرضات الويب. وبناء عليه فقد تم تبني مصطلح "مكتبة رقمية" بواسطة اختصاصيي الحاسبات الآلية واختصاصيي المعلومات وغيرهم ممن كانت لهم خبرات وساهموا في عمليات ميكنة المكتبات والبحث الآلي لمصادر المعلومات، وذلك قبل استخدام تطبيقات الإنترنت في هذا المجال.
وبعد هذا العرض يتم في الفقرات التالية معالجة المفاهيم المتعلقة بالمكتبة الرقمية، والمكتبة الإلكترونية، والمكتبة الافتراضية، مع توضيح أوجه التشابه والاختلاف بين كل مفهوم.
1/1. المكتبة الرقمية، والمكتبة الإلكترونية، والمكتبة الافتراضية :
في البداية لا بد من الإشارة إلى أن هذه المصطلحات الثلاثة ليست مترادفة في الاستخدام كما يتوقع بعضهم، حيث يوجد اختلافات بين مفهوم كل مصطلح من هذه المصطلحات، اختلافًا يتجلى بشكل واضح في البناء والتكوين الهيكلي فضلاً عن الاستخدام.