برنامج التدخل المبكر لتنمية مهارات اللغة والتواصل لدى صغار الأطف
المقوم الثالث
إرشاد الآباء وتوجيههم
إلى السبل الكفيلة بالتعامل بفعالية مع أطفالهم المعوقين سمعيا، وإلى كيفية مساعدة
أطفالهم من خلال البرنامج على تنمية مهاراتهم في اللغة والتواصل-
ويشمل هذا المقوم إرشاد الآباء المنضمين للبرنامج وتوجيههم إلى السبل الكفيلة بالتعامل
بفعالية مع أطفالهم المعوقين سمعيا، وإلى كيفية مساعدة أطفالهم من خلال البرنامج
على تنمية مهاراتهم في اللغة والتواصل. وتجدر الإشارة في بداية الحديث عن هذا
المقوم إلى أن أكثر من تسعين في المائة من الأطفال الصم يولدون لآباء وأمهات
عاديين ممن ليست لديهم مسبقا أيَّة خبرة معرفية أو عملية بالصمم وما يترتب عليه من
آثار خطيرة في نمو أطفالهم وتنشئتهم. كما أن أول شيء يقال لهم عن صمم طفلهم لن
يبرح ذاكرتهم أبداً. ومن هنا فإنه من الأهمية بمكان أن يكون لدى المرشدين النفسيين
والمعلمين العاملين في برامج التدخل المبكر فهْم واع وبصيرة نافذة بالاحتياجات
الخاصة بكل طفل وأسرته وبإمكانياتها وقدراتها. كما ينبغي لهم أن يتلافوا اتّبـاع
نَهْج مُوحَّد في نصح الآباء وإرشادهم، ومن واجبهم كذلك أن ينظروا دائماً إلى
إمكانيات كل أسرة وأن يؤكدوا على ضرورة أن يتخذ والدا الطفل الأصم موقفا إيجابيا
من نموه وتطوره.
وفي لقاءاتهما الأولى بالعاملين في البرنامج فإن أول ما يتبادر إلى ذهن الوالدين بعد
أن يتحققا من أن طفلهما أصم هو ما إذا كان سيتعلم الكلام أم لا. ولذلك فإن السؤال
الأول الذي يطرحانه عادة هو "هل سيتكلم طفلي؟ " ونظرا إلى أنه من الصعب
دائماً أن نعرف كيف سيتم للطفل الأصم اكتساب مهارات الكلام فإنه ينبغي للعاملين في
برامج التدخل المبكر أن يتوخُّوا جانب الحيطة والحذر من إعطاء جواب قاطع عن هذا
السؤال، وأن يستعيضوا عن ذلك بتركيز اهتمام الوالدين على ما يمكنهما عمله من أجل
مساعدة طفلهم على النمو نفسيا ولغويا وتواصليا واجتماعيا في المستقبل القريب.
وينبغي أن يُحاط الأبَوان علما بأن طفلهما الأصم يمكنه أن يحقق نمواً طبيعياً في جميع
الجوانب باستثناء التواصل باللغة المنطوقة (الكلام)، كما ينبغي إرشادهما إلى ما
يمكنهما القيام به استجابة لما يطرأ من تطور على قدرات التخاطب (التواصل) لدى
طفلهما. فالطفل بإمكانه أن يتعلم التخاطب والتواصل، ولكن وسيلته إليهما يجب أن
تتواءم مع حاسة البصر. ولذلك ينبغي تعريف الآباء بمختلف وسائل التواصل البصري التي
يمكنهم من خلالها إعانة أطفالهم على تعلمها وتعلم المعينات اليدوية للكلام. كما
أنه من الأهمية بمكان أن تُقدَّم لهم إيضاحات عملية لتلك الوسائل حتى تتاح لهم
فرصة حقيقية لاختيار الطريقة والكيفية التي يتواصلون بها مع أطفالهم الصم.
وبالإضافة إلى ذلك فإنه ينبغي أن يُشَجَّع الآباء على التعامل مع أطفالهم على أساس من
العلاقة الطبيعية التي تربط بينهم وبين أبنائهم. ذلك أن بعض الآباء ـ في غمرة
حماسهم البالغ لتقديم ما يرونه من جانبهم أفضل عون ممكن للطفل ـ قد يبادرون إلى
تعليمه اللغة غافلين عن تلبية حاجته إلى التواصل التلقائي. فإذا لم يتم إرشاد
الآباء إلى نهج التواصل الشامل ولغة الإشارة التي يمكنهم استخدامها في التعامل مع
صغارهم الصم فسوف يواجِهون في مستقبل حياة هؤلاء الصغار عديدا من المشكلات في
الاتصال بهم والتخاطب معهم.
كذلك فإنه ينبغي للقائمين على البرنامج تشجيع الآباء على البحث عن أطفال آخرين صم وكذلك
عن راشدين صم ممن يقطنون في نفس الحي لكي يتيحوا لأبنائهم فرص التواصل معهم
والاحتكاك بهم. كذلك فإن اتصال الآباء بأُسَرٍ أخرى تضم بين أعضائها فردا أصم ــ
أو أكثر من فرد من شأنه أن يُمَكِّنهم من تبادل الخبرات مع هذه الأسَر وتلقي مؤازرتهم
الاجتماعية والوجدانية.
ولكي تحقق برامج التدخل المبكر(قبل المدرسية) أقصى قدر ممكن من النجاح في تحقيق
أهدافها، فإنه ينبغي للمعلمين أن يُطلِعوا الآباء في لقاءاتهم الأولى بهم على
الخبرات والتجارب التي سوف يمرون بها هم وأطفالهم في إطار هذه البرامج. ويُعدُّ التواصل
الوثيق بين العاملين في برامج التدخل المبكر وأسرة الطفل الأصم أمراً بالغ الأهمية
لتهيئة ظروف تتضافر فيها الموارد الوجدانية للأسرة وفرص التعلم التي تتيحها تلك
البرامج للأطفال الصم.
- كذلك فإنه ينبغي توجيه اهتمام الوالدين إلى أن طفلهما قد يستسلم في بداية البرنامج
للسلبية والانطواء إذا لم يكن قد صادف قبل انضمامه إليه أيَّة إيماءة أو لغة
إشارة، وبالتالي فإنه ينبغي طمأنتهما إلى أنه لن يمضي على طفلهما في البرنامج سوى
وقت قصير حتى تُحدث وسائلُ التواصلِ البصريةُ الجديدةُ تغييراً جذرياً في سلوكه،
فيبدأ التواصل معهما ومع غيرهما من الأطفال والكبار حيث يشرع في تنمية قدراته
ومهاراته اللغوية والتواصلية. وينبغي
تنظيم الأنشطة التي يتضمنها أي برنامج للتدخل المبكر بحيث تلبي احتياجات صغار
الأطفال الصم وتتلاءم مع خصائصهم، مع ضرورة التحقق من أن البرنامج يتجاوز حدود
مجرد الإشراف على الأطفال إلى تقديم ما يحفزهم إلى تعلم اللغة واكتساب مهاراتها عن
طريق الألعاب والتواصل التلقائي بلغة الإشارة أو باللغة المنطوقة (الكلام)، إذ إن
الأطفال الصم مهيّأون في هذه السن المبكرة لاستقبال كافة طرق التواصل بما في ذلك
الإيماءات ولغة الإشارة.
-
وفي
نطاق هذا البرنامج ينبغي أن تتم معظم التفاعلات والاحتكاكات التواصلية بين الأمهات
وصغارهن الصم في إطار مطابق بأقصى قدر ممكن للأنشطة التواصلية الواقعية المشتركة
التي تتم بينهم في المنزل. ومن هنا فإنه ينبغي لهذا البرنامج أن يقدم لأسرهم
وذويهم من الإرشاد والتوجيه ما يساعدهم على قهر الصعوبات التي تقف حائلا دون
تواصلهم مع أطفالهم. وأفضل
وسيلة إلى ذلك هي إرشاد الوالدين إلى القيام في المنزل بنشاطات تواصلية طبيعية مع
طفلهما لمساعدته على تنمية لغته، وذلك بصفتهما والدَيْن لا معلميْن.
ويوصي
المختصون بألا يكون دور الآباء والأمهات في هذا البرنامج التدريبي نسخة شبيهة بدور
المعلمين العاملين فيه، والذين يستخدمون أنشطة ومواد ووسائل قد تكون غريبة نوعا ما
عن البيئة المنزلية الطبيعية أولا تَمُتُّ إليها بصلة. وقد يرجع السبب في التوصية
بذلك إلى حرص هؤلاء المختصين على تجنيب الآباء خطر الوقوع في شراك الاعتقاد الخاطئ
بأن قيامهم بتدريب أطفالهم على التواصل في بيئة مدرسية لمدة ساعة واحدة أو نصف
ساعة يوميا هو الطريقة الوحيدة التي يمكنهم من خلالها مساعدة أطفالهم على اكتساب
اللغة وتنمية مهاراتهم فيها. فعلى النقيض من ذلك ينبغي تشجيع الآباء ( بل ومعاودة
إرشادهم وتوجيههم من حين إلى آخر) على القيام باستمرار بممارسة أنشطة تواصلية
طبيعية تستثير في أطفالهم تعلم اللغة والتواصل
. وعلى الرغم من أن ذلك ينبغي أن يتم في إطار بيئة مدرسية إلا أن
تلك البيئة يجب تصميمها وتهيئتها وترتيبها وتأثيثها بحيث تبدو في وضع أقرب ما يكون
إلى بيئاتهم المنزلية الخاصة.