تقييم وتشخيص التوحد -4
التشخيص السلوكي للتوحديين
قبل البدء في الحديث عن التشخيص السلوكي للتوحد يتعين تقرير أن هذا الاضطراب لا يتم
تعريفه أو تحديد معالمه إلا سلوكيا. وكما اتضح لنا في عرض مؤشراته وعلاماته
وأعراضه أنها من الكثرة بحيث اضطر الباحثون و المهتمون إلى تقسيمه إلى عدة أشكال
كما سبق أن ذكرنا، وأنه يتداخل-من حيث كونه اضطرابا-مع اضطرابات أخرى أشرنا إليها آنفا.
وحين نقول أن التوحد يعرف ويحدد سلوكيا، فإن هذا يعني -من بين ما يعنيه- أنه ليست هناك
اختبارات طبية يمكن تطبيقها لتشخيصه، مع أن الاختبارات يمكن لها أن تؤكد أو تنفي
وجود مشكلات أخرى؛ ولذلك فإن الأخصائيين يعتمدون-في تشخيص التوحد-على ملاحظة
الخصائص السلوكية لكل طفل. وعلى أية حال ، يمكن القول أنه كلما زادت المؤشرات و
الأعراض التي يبديها الطفل، زادت احتمالات تشخيص حالته كطفل توحدي. ويؤكد"
جمال الخطيب ومنى الحديدي" (1997: 286) ما سبق أن أكده باحثون عديدون من أن
التشخيص الصحيح لاضطراب التوحد ليس أمرا سهلا، وأن معظم الخبراء يجمعون على أن
تشخيص التوحد يتطلب مشاركة فريق متعدد التخصصات على أن يشمل الفريق المتعدد
التخصصات أخصائيين مختلفين يعملون معا لتشخيص الحالة. وغالبا ما يشمل الفريق:
الأخصائي النفسي، طبيب أطفال يعرف التوحد، أخصائي قياس تربوي، أخصائي علاج نطق،
أخصائي قياس سمع، وربما أخصائي اجتماعي .
ويلعب الوالدان دوراً حيوياً في عملية التشخيص ،وذلك من خلال تقديم المعلومات عن التاريخ
التطوري النمائي للطفل وأنماطه السلوكية. ولأن اضطراب التوحد يتم تعريفه سلوكيا ، فإن
من الصحيح القول بأنه كلما زاد عدد الأخصائيين الذين يلاحظون سلوك الطفل في أوقات
مختلفة ومواقف متنوعة، زادت احتمالات تشخيص التوحد بشكل صحيح. ويصبح من المؤكد – أو في حكم المؤكد أن ذلك أفضل من قيام
أخصائي واحد بعملية التشخيص.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنه لكي نحدد طبيعة اضطراب التوحد، يجب على الأخصائيين أن يحددوا
أيضا الاضطرابات التي لا يعاني منها الطفل. ومعروف في أدبيات التربية الخاصة أن
عملية المقارنة بين الأنماط السلوكية للطفل الذي يراد تشخيص حالته بالأنماط
السلوكية التى تلاحظ عادة في الاضطرابات الأخرى بالتشخيص الفارق. و التخلف العقلي
واضطرابات اللغة ،حالتان يجب التأكد من عدم وجودهما قبل تشخيص الاضطراب على أنه
توحد. كذلك يرى بعض الباحثين أنه يجب فحص الطفل طبيا للتأكد من عدم وجود مشكلات
جينية أو طبية مثل الفينيل كيتون يوريا (PKU) Phenylketoneuria ومتلازمة كروموسوم X الهش Fragile
X- Chromosome حيث يصاحب هذان الاضطرابان أو هاتان
المشكلتان الطبيتان التوحد في بعض الحالات.
ولايستطيع من يعرض للأساليب التشخيصية في مجال التوحد أن يغض الطرف عما ورد في دليل الرابطة
الأمريكية للطب النفسي APA عن تشخيص التوحد. وفي ضوء هذا الدليل التصنيفي
يمكن القول أنه ينظر إلى التوحد على أنه " أحد أشكال الاضطرابات النمائية
العامة" . ويقدم الدليل ستة عشر معيارا لتشخيص التوحد، وهذه المعايير تقع ضمن
ثلاث فئات: الفئة الأولى(أ) : قصور التواصل اللفظي وغير اللفظي و النشاط التخيلي.
الفئة الثانية (ب) : قصور نوعي في التفاعلات الاجتماعية المتبادلة.
الفئة الثالثة(جـ) : إظهار مدى محدود جدا من الأنشطة أو الاهتمامات.
على أنه يجب أن تظهر هذه الأعراض منذ مرحلة الرضاعة أو الطفولة المبكرة، ويتم توظيف
المعايير الستة عشر على النحو التالي:
(1) يجب توفر ثمانية معاييرعلى الأقل من المعايير الستة عشر الواردة
في نص الدليل و التي سنعرضها بعد قليل.
(2) هذه المعايير يجب أن تشمل فقرتين على الأقل من الفئة (أ) ، وفقرة من الفئة(ب) وفقرة من الفئة(جـ).
(3) لا يعتبر المعيار متحققا إلا إذا كان السلوك شاذا بالنسبة للمستوى النمائي للطفل وفيما يلي عرض لبنود
الفئات الثلاث:
الفئة الأولى(أ) : قصور نوعي في التواصل اللفظي وغير اللفظي
وفي النشاط التخيلي على النحو التالي :
(1) الطفل لا يتواصل مع الآخرين، وإنما يصدر أصواتا غير مفهومة، ولا يظهر تعبيرات وجهيه أو إيمائية
مقبولة.
(2) الطفل يتواصل بطرق غير لفظية شاذة ( لا يتوقع من الآخرين أن يقتربوا منه، أو يتشنج عندما يقترب منه
الآخرون،لا ينظر إلى الشخص الذي يتفاعل معه، ولا يبتسم له، ولا يرحب بالوالدين أو
بالزوار، يحملق بطريقة ثابتة في المواقف الاجتماعية).
(3) الطفل لا يمارس أية أنشطة تخيلية؛ كلعب أدوار الراشدين مثلا، أو تقليد حركات أو أصوات
الحيوانات، ولا يهتم بالقصص التي تدور حول أحداث متخيلة.
(4) الطفل يتكلم بطرق شاذة تبدو في أسلوب إخراجه للكلمات سواء من حيث حدة الصوت، أو ارتفاعه، أو معدلاته.
(5) الطفل يعاني من اضطرابات ملحوظة في محتوى الكلام أو شكله بما في ذلك الكلام النمطي من قبيل التكرار الآلي
لإعلانات التلفاز، أو استخدام ضمير المخاطب" أنت" بدلا من ضمير المتكلم
" أنا" . أو الكلام عن أشياء ليست ذات علاقة بموضوع الحوار أو الكلام.
(6) الطفل يعاني من قصور واضح في القدرة على تقليد ومحاكاة الآخرين أو التحدث معهم، وذلك رغم امتلاكه القدرة على
الكلام ؛من قبيل الاستمرار في نفس الموضوع على الرغم من عدم استجابة الآخرين.
الفئة الثانية (ب) : قصور نوعي في التفاعلات الاجتماعية
المتبادلة (العلاقات البينية الشخصية) ويتضح هذا القصور في السلوكيات التالية :
(1) الطفل لا يأبه بوجود الآخرين ولا يبالي بمشاعرهم ( يعامل الأشخاص كأنهم قطع أثاث، ولا يشعر أن الشخص
الذي يحادثه يبدو عليه الضيق، ولا يفهم حاجة الآخرين إلى الخصوصية).
(2) الطفل لا يشعر بالحاجة إلى مساعدة الآخرين له في المواقف و الظروف الصعبة، أو أنه حين يعبر عن حاجته لمعاونة
الآخرين له، يعبر بأساليب ووسائل غير سوية. فهو لا يبحث عن الراحة حتى عندما يكون
مريضا، أو عندما يتعرض للأذى أو التعب، أو أنه يطلب العون بطريقة نمطية شاذة كأن يردد كلمة ما –بشكل متكرر-عندما يصيبه أي أذى