تنمية أعضاء هيئة التدريس في مؤسسات التعليم العالي
تمهيد :
إن التلاحم الاجتماعي لأفراد المجتمع بكل أطيافه ضروري لتحقيق الرفاهية والتقدم والرقي لأبناء المجتمع .
إن التفرق الاجتماعي بين أبناء المجتمع الواحد ، فيه خطر عظيم ، قد يؤدي بهم إلى الفوضى والتمزق والفساد ؛ ولذا فإنه يقع على كاهل أبناء المجتمع أن يحققوا الوحدة الاجتماعية ، وأن يقفوا صفاً واحداً ضد من تسول له نفسه النيل منها أو زعزعتها .
ولما كان عضو هيئة التدريس يعتبر أعلى طبقة علمية في السلك التعليمي ، كان الواجب عليه أكبر والمسؤولية تجاهه أعظم في توجيه المجتمع توجيهاً صحيحاً ، يكفل لأفراده الأمن والاستقرار ورغد العيش والمحبة فيما بينهم … وأن يكون سياجاً منيعاً ضد مَنْ يريد العبث بأمن المجتمع والوطن أو يهلك الحرث والنسل أو يفكك وحـدة الوطن بأي مبرر كان .
إن الإسلام جاء بالوحدة الاجتماعية التي تكفل لأبناء المجتمع العيش فيه بأمن وأمان … وحذر الذين يريدون خلخلة هذه الوحدة اسمع لقول الله تعالى : â $yJ¯RÎ) (#ätÂty_ tûïÏ%©!$# tbqç/Í$ptä ©!$# ¼ã&s!qßuur tböqyèó¡tur Îû ÇÚöF{$# #·$|¡sù br& (#þqè=Gs)ã ÷rr& (#þqç6¯=|Áã ÷rr& yì©Üs)è? óOÎgÏ÷r& Nßgè=ã_ör&ur ô`ÏiB A#»n=Åz ÷rr& (#öqxÿYã ÆÏB ÇÚöF{$# 4 Ï9ºs óOßgs9 Ó÷Åz Îû $u÷R9$# ( óOßgs9ur Îû ÍotÅzFy$# ë>#xtã íOÏàtã á ([1]) .
فـ ( لا جزاء للذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً إلا ما ذكر الله من التقتيل أو التصليب ، أو تقطيع الأيدي والأرجل من خلاف ، أو النفي من الأرض … لأنه اعتداء على الحق والعدل الذي أنزله …وقوله : ] ويسعون في الأرض فساداً [ أي يفسدون لما صلح من أمور الناس في نظام الاجتماع وأسباب العيش ) ([2]) .
وهذا فيه تحذير لكل من يريد الإخلال بوحدة المجتمع الإسلامي .
والنبي r حذر أمته من تفكيك الوحدة الاجتماعية ، فقال عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع : (( لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض )) ([3]).
فحذر r أمته من أن يصبحوا همجاً لا قائد لهم يضرب كل واحد منهم الآخر ويسفك دمه بدون مبرر شرعي .
إن خدمة المجتمع مسؤولية الجميع ، وخاصة عضو هيئة التدريس، إذ لا بد من تضافر الجهود لتحقيقها ، من هنا أردت بيان المهمة الملقاة على عضو هيئة التدريس تجاه المجتمع .
وسوف يتم إيضاح ثمانية جوانب للإفادة من خبرات أعضاء هيئة التدريس لتحقيق ذلك .
الجانب الأول : الإفادة من خبرة أعضاء هيئة التدريس في تحقيق الأمن
الاجتماعي .
الجانب الثاني : الإفادة من خـبرة أعضاء هيئة التدريس في ترسيخ الوحدة
الوطنية في المجتمع .
الجانب الثالث : الإفـادة من خـبرة أعضاء هيئة التدريس في تقويم الانحراف
السلوكي والفكري .
الجانب الرابع : الإفادة من خبرة أعضاء هيئة التدريس في تهذيب الأسرة .
الجانب الخامس: الإفادة من خبرة أعضاء هيئة التدريس في توجيه الشباب .
الجانب السادس: الإفادة من خبرة أعضاء هيئة التدريس في ثقافة المجتمع .
الجانب السابع : الإفادة من خبرة أعضاء هيئة التدريس في تحقيق التكافل
الاجتماعي .
الجانب الثامن : الإفـادة من خـبرة أعضاء هيئة التدريس في حل المشكلات
الاجتماعية .
الجانب الأول: الإفادة من خبرة أعضاء هيئة التدريس في تحقيق الأمن الاجتماعي.
إن الأمن الاجتماعي نعمة كبيرة ؛ فبه تتحقق السعادة لأفراده والرفاهية لمواطنيه ويتوحد أبناؤه لمستقبل أفضل فيه .
إنه إذا ضاع الأمن ضاع المجتمع بأسره ، وضاعت جميع مقدراته ومكتسباته ، ودب الخوف بين أفراده ، وسادت الفوضى بين أبنائه ، وتأخرت المجتمعات عن تحقيق تقدمها، وانشل عمل المؤسسات القائمة على أمره .
لهذا فإن تحقيق الأمن هو مسؤولية الجميع لا ينحصر في فرد دون آخر ، ولا مؤسسه أو جهة دون أخرى … .
ولما كان تحقيق الأمن بهـذه المكانة تجـد أن الإسلام بمبادئه وتعاليمه قد نوه عنه وحـذر الذين يحـاولون النيل منه وتوعدهم بأشد العقوبة اسمع لقول الله تعالى: â $yJ¯RÎ) (#ätÂty_ tûïÏ%©!$# tbqç/Í$ptä ©!$# ¼ã&s!qßuur tböqyèó¡tur Îû ÇÚöF{$# #·$|¡sù br& (#þqè=Gs)ã ÷rr& (#þqç6¯=|Áã ÷rr& yì©Üs)è? óOÎgÏ÷r& Nßgè=ã_ör&ur ô`ÏiB A#»n=Åz ÷rr& (#öqxÿYã ÆÏB ÇÚöF{$# 4 Ï9ºs óOßgs9 Ó÷Åz Îû $u÷R9$# ( óOßgs9ur Îû ÍotÅzFy$# ë>#xtã íOÏàtã á ([4]).
ونراه قد سد الأبواب التي تؤدي إلى التنازع بين أفراده ، حتى لا يؤدي بهم ذلك لإخلال الأمن في المجتمع ، فقال r : (( لا تحاسدوا ولا تباغضوا وكونوا عباد الله إخواناً )) ([5]) .
إذن ما هو دور عضو هيئة التدريس لتحقيقه ؟
إن عليه أولاً أن يكون عارفاً بالداء الذي يخل بالأمن ، حتى يصف الدواء له ، ولا يستطع أن يصل إلى هذا إلا إذا كان قريباً من أبناء مجتمعه يعرف ما يعانون منه ، وما هي متطلباتهم وتوجهاتهم ، ومنْ هم الذين يصطادون في الماء القذر أو الناقمون عليه لينشروا الفوضى بين أفراد مجتمعهم .
إن الواجب على عضو هيئة التدريس بعد هذا أن يكون إيجابياً في تعاطيه لواقعه الاجتماعي بعيداً عن القضايا التي تورث القلق أو العنف لأبناء هذا المجتمع أو تؤثر على اللحمة الاجتماعية .
كما أن عليه صياغة هذا المجتمع صياغة إيجابية مبناها حب الأفراد بعضهم لبعض ، بعيداً عن إثارة النعرات القبلية أو الإشكاليات المقيتة التي تورث انشقاقاً بين طبقات المجتمع .
إن على أستاذ الجامعة أن يبين لأفراد مجتمعه أن العلاقة بين الفرد والجماعة علاقة مصالح متبادلة ومشاركة ومعاونة لتلبية حاجة كل واحد للآخر لا علاقة قهر وحرب ونزاع .
إن على أستاذ الجامعة ألا يعرض قضايانا الاجتماعية بسودادويه أو زاوية ضيقه حتى يأمن من إثارة المجتمع وإحداث توتر بين إفراده … ومن ثم استغلال هذا العرض من قبل ضعاف النفوس .
إن على أساتذة الجامعات أن يوجهوا هذا الجيل نحو الالتقاء والمحبة والتآلف لا الصراع والتصادم .
إن عليهم أن يتخذوا من الإسلام منهجاً في توجيه مجتمعهم وأبنائهم الطلاب ، لأن ( ممارسة منهج الله في الحياة الدنيا ، هي القضية الأولى في حياة الإنسان على الأرض ، وهي القضية التي يجب أن تنشأ الأجيال عليها ) ([6]) .
فإذا سار أستاذ الجامعة على هذا المنهج ، فإنه سـيولد مجتمعا متماسكاً مترابطاً يألم الفرد لألم أخيه ويفرح لفرحه ، وبذا يتحقق الأمن بين أبنائه .
إن على أستاذ الجامعة أن يغرس في نفوس مجتمعه ( أهمية الجماعة في حياة المسلم )([7]) ، وأنه ما ( شرعت بعض العبادات جماعية كالصلاة والحج إلا ليدل على أهمية الجماعة …) ([8]) .
إن الإخلال بهذا المبدأ إخلال بالأمن وتعريض المجتمع للفوضى .
و عليه أن يستوحي بأن ( ما قام به النبي r أول قدومه المدينة من المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار … من شانها تقوية هذا البناء الاجتماعي ) ([9]) .
إن على أستاذ الجامعة أن يوضح أن ( الدين المعاملة ، والنبي r وجميع الرسل من قبله بعثوا بمكارم الأخلاق ، وجعلوا حسن المعاملة واحترام الآخرين والإحسان إلى الجميع أسلوب حياتهم وأساس دعوتهم وقوام صلتهم بالناس )([10]) .
إن على أستاذ الجامعة أن يرسخ مبدأ الوحدة الاجتماعية بين أفراد المجتمع على كافة الاختلافات والتوجهات التي يفرزها الفكر البشري ، مع المحافظة على ثوابت الإسلام التي لا تقبل الجدال أو الاختلاف .
إنه إذا زرع بينهم هذه المبادئ ، فإنه يتحقق به الأمن الاجتماعي ، ويصبح مجتمعاً متكاتفاً ، تفرح الجماعة لفرح الفرد وتحزن لحزنه ، ويفرح الفرد لفرح الفرد ويحزن لحزنه .
أما إذا اختلت هذه المبادئ في ذهنه ، أو ألقاها بين أفراد مجتمعه أو طلابه دون تحقيقها والعمل بها ، فإنه يساهم بهذا مساهمة جدية في تحقيق الفوضى الاجتماعية ، وإخلال بالأمن الذي يأباه الإسلام والعقول السليمة .
الجانب الثاني : الإفادة من خبرة أعضاء هيئة التدريس في ترسيخ الوحدة الوطنية
في المجتمع:
إن الوطن يعتبر حضناً لنا كالأم لولدها ، لذا فإن له قيمة عالية ومكانة جليلة في نفس كل واحد منا .
إن هذا الوطن ولدنا فيه وعشنا تحت سمائه ، وترعرعنا بين جنباته ، وأكرمنا الله عز وجل فيه بنعم عظيمة لا تعد ولا تحصى ، وتمتعنا منه بمزايا كريمة ، حتى وصلنا به إلى منزلة عالية بين سائر الأوطان .
إذاً فماذا يجب علينا تجاهه ؟
إنه بهذا يَفْرٍض علينا محبته وتقديره وتقديم كل غال ونفيس في سبيل وحدته وتما سكه والدفاع عن أمنه واستقراره ،والمحافظة على ترابه .
إنه ينبغي على كل واحد منا بصفة عامة وعلى عضو هيئة التدريس خاصة أن يحقق محبته في نفسه وأفراد أسرته ، وأن يجعلها نبراسا له في مسيرة حياته وبين أبناء مجتمعه .
إن لأعضاء هيئة التدريس ، الأثر الحاسم والدور الكبير في تكوين المواطن الصالح المنتج ، المحب لعمله ووطـنه ، الساعي إليه ، والفادي نفسه وأهله وماله … من أجله .
إن من عصارة فكرهم يتغذى الناشئة والشباب وجميع أبنا المجتمع ومن معين علمهم ينهلون .
إن عدم الشعور بالوحدة الوطنية من أي فرد من أفراد هذا الوطن يعتبر جريمة في حقه ، قد يشكل بها تعميم الفوضى بين أبنائه ، و مِنْ ثم ضياع لجميع المكتسبات .
فعلى عضو هيئة التدريس أن يسعى إلى ترسيخ وتثبيت هذه الوحدة في عقول أبناء مجتـمعه ، ويذكرهم بأنهم عاشوا فوق ترابه واستنشقوا عبير هوائه وتمتعوا بخيراته .
إن المناداة بالوحدة الوطنية ليست خطاباً يلقى أو كلمات تكتب أو شعارات ترفع ، إنما هي مشروع مفتوح على كل محاولة تزيد في تمتيين هذه الوحدة وتقويتها ، فلذا ينبغي على عضو هيئة التدريس أن يكون ملماً ومستوعباً بكل ما يحقق هذه الوحدة ويقويها .
إن على عضو هيئة التدريس أن يُشْعِر أبناء مجتمعه بحقيقة الانتماء إليه ، والولاء له ، والوفاء بواجباته وحقوقه ، وأن يحققها في نفسه وسلوكه .
إن المفترض على عضو هيئة التدريس أن ينأ بنفسه عن زعزعة الوحدة الوطنية ، بإثارة القضايا الفكرية والنعرات القبلية التي تؤجج أفراد هذا المجتمع ، ومن ثم تفكك وحدته ، من هنا فعلى عضو هيئة التدريس أن يسعى جاداً على تكريس هذه الوحدة وبيان أهميتها في الواقع الاجتماعي المعاصر .
إن طبيعة الظروف والمرحلة الحالية التي يمر بها وطننا العزيز تقتضي منا جميعاً ومن عضو هيئة التدريس خصوصاً التفكير الجاد والعمل المتواصل لتحقيق هذه الوحدة بإبراز الثوابت للوطن ، والتي نعمل جميعاً على تعزيزها وحمايتها .
إن على عضو هيئة التدريس أن يربي أبناء مجتمعه على هذه الوحدة ، وأن يوضح لهم أنها لا تعارض النصوص الشرعية ، أو القيم الأخلاقية .
إن الأقلام والأصوات التي ترتفع من هنا وهناك بنقد الوحدة الوطنية واعتبارها ليست من الإسلام في شيء ، إنما هي أقلام ناقصة في تفكيرها أو حاقدة على وطنها ومجتمعها ، وعلى عضو هيئة التدريس أن ينقدها ويبين عورها ،وأن يسمعهم قول النبي r : (( اللهم حبِّب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد )) ([11]) فهذه كلمات تدل على أن حب الوطن لا ضير فيه وليس هو مما يتعارض مع مبدأ إيمان المسلم .
إن الواجب على عضو هيئة التدريس أن يبين لأبناء مجتمعه أن تفريق التلاحم الاجتماعي مرفوض ديناً (( من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد، يريد أن يشق عصاكم ، أو يفرق جماعتكم فاقتلوه )) ([12]).
فإباحة دم المفرق لجماعة المسلمين المنطوين تحت سماء وطن واحد ، دليل على اهتمام الإسلام بهذه الوحدة ، والتصدي لمن تسول له نفسه أن ينال منها .
لذا فإن على عضو هيئة التدريس إقامة البرامج التلفزيونية والإذاعية والكتابة في الصحف اليومية والشهرية … لتكريس معني الوحدة الوطنية وبيان المجد الذي يعايشه الوطن والمواطن والخير الذي ينعم فيه ، حفظ الله هذا الوطن من حسد الحاسدين .
([3]) رواه البخاري 1/262 ، 3/671 مع الفتح ، كتاب العلم ، باب الإنصات للعلماء ، وكتاب الحج ، باب الخطبة أيام منى ، ومسلم 2/55 –56 مع النووي ، كتاب الإيمان ، باب بيان معنى قول النبي r : (( لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض )) .
([5]) جزء من حديث طويل رواه مسلم مع النووي 16/120 كتاب البر والصلة والآداب ، باب تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره … من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - .