أسباب التهتهة -4
الأسباب السلوكية المتعلمة :
يرى فان ريبر (Van Riper, 1983) أن التهتهة سلوك متعلم كما يشير نقلاً عن وشنر (Wischnner) إلى أن التهتهة سلوك تجنبي يستهدف الحد من أحاسيس القلق المرتبطة بين رغبتين متعارضتين هما الكلام والصمت ، فالتهتهة تحدث نتيجة رغبة الفرد في الكلام وعدم رغبته في الكلام خوفا من التهتهة .
ويفترض السلوكيون أن حالة التهتهة في الكلام ما هي إلا استجابة متعلمة لحالات الخلل في طلاقة اللسان المعيارية بمرحلة الطفولة المبكرة ، ومن عوامل التعلم (حسن عبد المعطى : 2003) :
أ- التقليد : فالتهتهة قد تكون سلوكًا مكتسبًا عن طريق محاكاة وتقليد الآخرين فهي نتيجة لوجود أفراد مهمين في الحياة المبكرة للطفل ، وهؤلاء الآخرون يتسمون بعدم الطلاقة في الحديث ، وعندما تشتد علاقة هؤلاء الأفراد بالطفل يحاول تقليدهم ، ومع بعض الخوف والقلق يتحول هذا القلق إلى عيب في هؤلاء الأطفال .
ب- الإشراط : فتكتسب التهتهة عندما يتم الاقتران بين مواقف الكلام ومواقف الضرب والقسوة والحرمان مما يؤدى بالطفل إلى عدم النطق أو التهتهة عند المواجهة كشكل من أشكال التوافق الانسحابي خشية العقاب.
ج- انعدام التغذية الرجعية : وتبعًا لذلك ينظر إلى اكتساب الكلام على أنه عملية تعتمد على تغذية رجعية مناسبة ، ومن ثم يفترض وقوع التهتهة بسبب تعطل في درجة التغذية الرجعية التي ينالها الطفل فيتعزز لديه الكلام المختل ، ومن ناحية أخرى يرى البعض أن التهتهة ترجع إلى التصحيح الزائد من قبل الوالدين لنطق الطفل وعقابه على النطق غير الصحيح مما يولد لديه القلق والخوف من الكلام فيؤدى إلى التهتهة .
ويضيف عبد العزيز الشخص (1997) إن السلوكيين حاولوا تفسير التهتهة باعتبارها سلوكا لفظيا متعلمًا ؛ حيث أرجعه بعضهم إلى ارتباطه بمثير شرطي (الكلام مع الآخرين) ينتزع استجابة التهتهة من الفرد . بينما أرجعه البعض الآخر إلى ما حصل عليه الفرد من تعزيز نتيجة ممارسة التهتهة ، وقد يتمثل ذلك في جذب انتباه الآخرين ، أو استدرار عطفهم واهتمامهم ؛ ويعتبر البعض أن التهتهة عبارة عن سلوك إحجام أو هروب من موقف (مثير) غير مرغوب يثير انفعالات أو استجابات مؤلمة لدى الفرد مثل التوقف ، والتكرار ، والخجل ، التوتر ، وبالتالي يمارس التهتهة تجنبا للألم الذي يتعرض له من جراء ذلك ، ولعل هذا يفسر الجهد الذي يبذله الفرد عند محاولة الكلام ومقاومة التهتهة نظراً لخوفه من حدوثها .
ويؤيد
ذلك ما أشار إليه عبد المطلب القريطي (1998) من أن التهتهة سلوك مكتسب بالتعلم ،
وان انتشارها لدى بعض الأسر ليس مرجعه جينات وراثية بقدر ما هو راجع إلى تعلم
الطفل لها عن طريق التقليد . كما ينظر إليها السلوكيون كرد فعل لتجنب هذا الاضطراب
الكلامي ، ويتسم رد الفعل هذا بالتوقع ، والخوف والتوتر الشديد ، حيث تحدث التهتهة
عندما نتوقعها ، فنخافها ، فنتوتر ونحاول تجنب الوقوع فيها ، فيتوقف الكلام كلياً
أو جزئياً ويضطرب بالفعل ، ويؤكد السلوكيون على عوامل معينة في نشأة التهتهة منها
القلق الذي يعانيه الوالدان إزاء تعثر المحاولات الأولى لطفلهما في الكلام ،
وانتقال القلق إلى الطفل وتكرار اقترانه بمواقف الكلام حتى يصبح الاضطراب الكلامي
نمطا مزمنا ، وكذلك على ما قد يجنيه الطفل ذاته من مكاسب وفوائد ثانوية من اضطرابه
؛ كإعفائه من بعض المهام أو التكليفات المدرسية ، ومن ثم يركن إلى
اعتياد الاضطراب.
ويؤكد زكريا الشربيني (2001) على الأسباب النفسية الاجتماعية
للتهتهة حيث
يشير إلى أن هناك من يرجع التهتهة إلى مشكلات أسرية في الأصل
انعكست على الطفل بعد أن مر بها وتجسدت في أعماقه ؛ كفراق الأم أو انفصال الوالدين
عن بعضهما ؛ وقد يكون ظهور التهتهة مرتبطًا بالخوف أو الرعب ؛ أو الفشل في الامتحانات
؛ أو التعرض لحوادث مفاجئة مثل هدم المنزل أو
حوادث السيارات .
ويشير ميلك (Mielke, 1993) إلى العديد من العوامل المصاحبة للتهتهة منها أساليب التنشئة الوالدية كالقسوة والعنف في معاملة الأطفال ، أو سوء العلاقة بين الأب والأم .
ويرى البعض أن أحداث الحياة الضاغطة تؤثر بشكل سلبي على الأطفال المصابين بالتهتهة فتكون التهتهة في الكلام هي طريقتهم في التعبير عن الخوف أو الرفض (Blood, et al., 1997) .
ويقصد بأحداث الحياة ما يطرأ على حياة الطفل من مواقف جديدة تأتي بشكل مفاجئ ، أو ازدياد الأعباء بشكل مطرد ، ويقصد بالأحداث هنا المفاجآت غير السارة على الأغلب وفيما يلي بعض الأمثلة على هذه الأحداث :
1- موت أحد أفراد الأسرة وخاصة أحد الوالدين.
2- انتقال عائلة الطفل إلى منزل جديد وبالتالي بيئة جديدة وجيران جدد.
3- انفصال الوالدين عن بعضهما.
4- دخول الطفل أو أحد أفراد الأسرة إلى المستشفى.
5- فقدان الأب وظيفته مما يزعزع أمن البيت والمزاج العام فيه.
6- قدوم مولود جديد ينافس الطفل في اهتمام عائلته.
7- غياب الوالدين أو أحدهما عن البيت فترة طويلة.
إن
الأحداث السابقة وما شابهها تؤدي إلى الإخلال بأمن الطفل
واستقراره ، وعندها ؛ فقد تظهر التهتهة فجأة وذلك نتيجة للشد أو الضغط الانفعالي (عبد العزيز السرطاوي ، وائل أبوجودة ، 2000) .