الذهان
الأمراض العقلية (الذهانية)
Psychosis
اعداد
د. منى توكل السيد
تضم هذه الأمراض مجموعة من الأمراض النفسية الشديدة، والتي تتميز بتأثيرها الخطير على الشخصية، بحيث تقعد الشخص عن التوافق مع من يعيشون معه، وعن العمل المنتج؛ ويطابق الذهان Psychosis المعنى القانوني والاجتماعي لكلمة جنون Insanity من حيث احتمال إيذاء المريض نفسه أو غيره أو عجزه عن رعاية نفسه (زهران,1977) علماً بأن مسمى الجنون لا يستخدم كمصطلح في الطب النفسي بل يستخدم " الذهان " الفصام Schizophrenia " الشيزوفرينيا "
الذهــان: اضطراب خطير في الشخصية، يظهر في صورة اختلال شديد في القوى العقلية وإدراك الواقع وهو في الحياة الانفعالية وعجز عن ضبط النفس؛ وهو اضطراب عقلي خطير، وخلل شامل في الشخصية،يجعل السلوك العام للمريض مضطربا ويعوق نشاطه الاجتماعي (البنا، 2006).
والشخص الذهاني – عادة – لا يدرك أنه مريض أو شاذ، لذا قلما يجيء الذهاني إلى المعالج طالبا العلاج، بل أنه يقاوم العلاج عندما يجبره أهله على التماس العلاج؛ والنكوص للمريض الذهاني يكون إلى مراحل الطفولة المبكرة جدا (المرحلة الفمية والمرحلة الشرجية الأولى)، وهذا هو السبب في أن مرض الذهان يكون أشد خطورة وأكثر تأثيرا على زعزعة كيان الشخصية وإفقادها اتزانها وتكاملها(طه، 1999)
تصنيف الذهان:
هذا ويصنف العلماء الأمراض الذهانية إلى قسمين رئيسين:
أ – الأمراض الذهانية الوظيفية Functional Psychosis:
أي الأمراض النفسية المنشأ، وهي الأمراض العقلية التي لا ترجع إلى أسباب عضوية، وأهم الأشكال الإكلينيكية للذهان الوظيفي هي: الفصام والهذاء (البارانويا)، والاكتئاب، والهوس، وذهان الهوس والاكتئاب.
ب – الأمراض الذهانية العضوية Organic Psychosis:
أي الأمراض الذي يرجع المرض فيها إلى أسباب وعوامل عضوية، وترتبط بتلف في الجهاز العصبي ووظائفه، مثل ذهان الشيخوخة والذهان الناجم عن عدوى، أو عن اضطراب الغدد الصماء، أو عن الأورام، أو عن اضطراب التغذية، أو الأيض أو عن اضطراب الدورة الدموية... إلخ.
أي أن تصنيف الأمراض الذهانية يكون تبعاً للسبب الذي نشأ عنه الذهان فإن كان السبب في نشأه الذهان إصابة عضوية يمكن كشفها بالوسائل العلمية المعروفة كان هذا ذهانا عضويا، أما إن استحال تحديد سبب عضوي للذهان، سمي ذهانا وظيفيا. على أننا ينبغي أن نقرر أن الذهان لا ينشأ – في الكثير من الحالات – عن سبب وظيفي فقط، أو سبب عضوي فقط، إنما يتكامل السببان – عادة – في تكوين الذهان مع غلبة السبب العضوي في الذهان العضوي، وغلبة السبب الوظيفي في الذهان الوظيفي. ولهذا، فليس من المستبعد وجود سبب عضوي وراء الذهان الوظيفي، ولا وجود سبب وظيفي وراء الذهان العضوي.
أسباب الذهان:
فيما يلي أهم أسباب الذهان:
1 – الاستعداد الوراثي المهيء، إذا توافرت العوامل البيئية المسببة للذهان.
2 – العوامل العصبية والسمية والأمراض مثل التهاب المخ وجروح المخ وأورام المخ والجهاز العصبي المركزي والزهري والتسمم وأمراض الأوعية الدموية والدماغ كالنزيف وتصلب الشرايين.
2 – الصراعات النفسية والإحباطات والتوترات النفسية الشديدة، وانهيار وسائل الدفاع النفسي أمام هذه الصراعات والإحباطات والتوترات.
3 – المشكلات الانفعالية في الطفولة والصدمات النفسية المبكرة.
4 – الاضطرابات الاجتماعية وانعدام الأمن وأساليب التنشئة الخاطئة في الأسرة مثل الرفض والتسلط والحماية الزائدة... الخ.
أعراض الذهان:
أعراض الذهان شديدة إذا قورنت بأعراض العصاب، وعادة لا توجد مكاسب ثانوية مرتبطة بالأعراض. وفيما يلي أهم أعراض الذهان:
1 – اضطراب النشاط الحركي، فيبدو البطء والجمود والأوضاع الغريبة والحركات الشاذة. وقد يبدو زيادة في النشاط وعدم الاستقرار والهياج والتخريب
2 – تأخر الوظائف العقلية تأخرا واضحا. واضطراب التفكير بوضوح فقد يصبح ذاتيا وخياليا وغير مترابط. ويضطرب سياق التفكير، فيظهر طيران الأفكار أو تأخرها، والمداومة والعرقلة، والخلط، والتشتت، عدم الترابط. ويضطرب محتوى التفكير، فتظهر الأوهام مثل أوهام العظمة أو الاضطهاد، أو الإثم أو الانعدام.... إلخ. واضطراب الفهم بشدة وعادة يكون التفاهم مع المريض صعبا. واضطراب الذاكرة والتداعي، وتظهر أخطاء الذاكرة كثيرا. واضطراب الإدراك ووجود الخداع، ووجود الهلوسات بأنواعها البصرية والسمعية والشمية والذوقية واللمسية والجنسية, واضطراب الكلام وعدم تماسكه ولا منطقيته. واضطراب مجراه، فقد يكون سريعا أو بطيئا أو يعرقل، واضطراب كمه بالنقصان أو الزيادة، واضطراب محتواه حتى ليصبح في بعض الأحيان لغة جديدة خاصة. وضعف البصيرة أو فقدانها، وأحيانا يكون هناك انفصال كامل عن الواقع، ويشوهه المريض ويعيش في عالم بعيد عن الواقع. ويبدو عدم استبصار المريض بمرضه مما يجعله لا يسعى للعلاج ولا يتعاون فيه وقد يرفضه ويضطرب التوجيه بالنسبة للمكان والزمان.
3 – سوء التوافق الشخصي والاجتماعي والمهني.
4 – اضطراب الانفعال، ويبدو التوتر والتبلد وعدم الثبات الانفعالي والتناقض الوجداني والخوف والقلق ومشاعر الذنب الشاذة. وقد تراود المريض فكرة الانتحار.
5 – اضطراب السلوك بشكل واضح، فيبدو شاذا نمطيا انسحابيا، واكتساب عادات وتقاليد وسلوك يختلف، ويبتعد عن طبيعة الفرد، وتبدو الحساسية النفسية الزائدة، ويضطرب مفهوم الذات.
علاج الذهان:
جميع حالات الذهان تعالج في مستشفى الأمراض النفسية، وذلك لما يحدثه الذهان من اضطراب شامل للشخصية، ولما يؤدي إليه ذلك من سوء التوافق، ولما يصاحبه من نقص في البصيرة. وفيما يلي أهم ملامح علاج الذهان:
1 – العلاج الطبي بالعقاقير المضادة للذهان، كالمهدئات لضبط الانفعالات والسلوك. والعلاج بالصدمات الكهربائية تمهيدا للعلاج النفسي، والتأهيل الطبي النفسي.
2 – العلاج النفسي الشامل والتدعيمي فرديا أو جماعيا. وتعديل السلوك الغريب أو الشاذ وتحقيق السلوك العادي بقدر الإمكان، مع الاهتمام بعلاج مشكلات المريض بالاشتراك مع الأسرة.
3 – العلاج الاجتماعي وإعادة التطبيع والاندماج الاجتماعي وإعادة التعليم الاجتماعي، وتشجيع التفاعل الاجتماعي وتنمية المهارات الاجتماعية. والعلاج البيئي والتدخل المباشر في تعديل البيئة. والعلاج بالعمل.
4 – الجراحة النفسية (كحل أخير وبعد فشل جميع الوسائل العلاجية)، بشق مقدم الفص الجبهي، وذلك حتى يقل الإجهاد والتوتر وردود الفعل الانفعالية.
مآل الذهان:
1 – مآل الذهان الوظيفي بصفة عامة أفضل من مآل الذهان العضوي. وفي الحالات المبكرة مع العلاج المناسب، فإن التحسن أو الشفاء يحدث في حالات تصل نسبتها إلى (80 %) من مرضى الذهان، في مدة تتراوح بين بضعة أشهر وعام. والعلاج المتأخر، أو غير المنتظم ونقص التعاون من جانب المريض بإهمال العلاج من جانبه يؤدي إلى النكسات أو التدهور.
2 – وعلى العموم فإن مآل الذهان يكون أحسن: كلما عولج الذهان مبكرا، وكلما كان بناء الشخصية قبل المرض أقوى، وكلما تعاون المريض والأهل في عملية العلاج، وكلما تضافر العلاج الطبي والنفسي والاجتماعي السليم.