تطور الشخصية
الشخصيـــــة
اعداد
الدكتورة / منى توكل السيد
أستاذ الصحة النفسية والتربية الخاصة المساعد
قسم العلوم التربوية بتربية الزلفي
ازداد الاهتمام بدراسة الشخصية زيادة ملحوظة، وأخذت الدراسات التي تختص بها تتشكل وتنتظم منذ ثلاثينات القرن الماضي بدءاً من أعمال البورت Allport إلى ما تبعها من دراسات وأبحاث وكتابات متخصصة متواصلة حول مجمل جوانبها. فتناولت موضوع الشخصية نظريات التحليل النفسي والنظرية السلوكية ونظرية السمات، والنظرية الإنسانية ونظريات نفسية أخرى.
تعريف الشخصية:
معنى الشخصية من أكثر معاني علم النفس تعقيدا وتركيبا لأنه يشتمل على الصفات الجسمية والوجدانية والعقلية والخلقية في حالة تفاعلها بعضها مع بعض، وتفاعلها في شخص معين يعيش في بيئة اجتماعية معينة (الأشول،1988: 5).
وهنالك مجموعة من تعريفات الشخصية؛ فمنها ما يتناول تعريف الشخصية من حيث المعنى اللغوي للكلمة، ومنها ما يتناولها من حيث التكيف مع المحيط حولها، ومنها ما هو انطلاقا من عملية التعلم ومنها ما هو انطلاقا من السمات العميقة.
والشخصية هي بنية دينامية داخلية تنتظم فيها جميع الأجهزة العضوية والنفسية بحيث نحدد ما يميز أو يمتاز به الفرد من سلوك و أفكار (خوري،١٩٩٦:١٩)؛ كما يعرفها عبد الخالق بأنها " التنظيم الدينامي داخل الفرد، له قدر كبير من الثبات والدوام، لمجموعة من الوظائف أو السمات أو الأجهزة الإدراكية والنزوعية والانفعالية المعرفية والدافعية والجسمية التي تحدد طريقة الفرد المتميزة في الاستجابة للمواقف وأسلوبه الخاص في التكيف للبيئة، وقد ينتج عن هذا الأسلوب توافق أو سوء توافق" (عبد الخالق، ١٩٨٩: ٦)؛ ويعرفها زهران (١٩٨٢:٥٥) بأنها " جملة السمات الحسية والعقلية والانفعالية الاجتماعية التي تميز الشخص عن غيره.
هناك أيضا عدة معان ترتبط بكلمة الشخصية من الناحية اللغوية أو التفسيرية كما تناولها فاولر ودريغر نوردها كما يلي:
١- الشخصية هي الصفة والخلق وحقيقة وجود الإنسان متميزا عن الأشياء الأخرى.
٢- الشخصية هي التجميع النهائي، أو المحصلة العامة، لكل الدوافع والعادات والاهتمامات، والميول، والإحساسات، والمثل والآراء والمعتقدات سواء كانت موروثة أو مكتسبة وكما تنعكس على سلوك الإنسان وتفاعله في بيئته.
٣- الشخصية هي جميع الصفات والخصائص التي تجعل الفرد كما هو ونميزه عن الأفراد الآخرين.
مما سبق يتضح أن الشخصية لا يمكن أن توجد من فراغ أي أنه لا يمكن لنا أن نتكلم عن شخصية إنسان بلا بيئة إنسانية أو مادية أو معنوية حيث أن كلمة الشخصية وجدت لتميز الإنسان عن غيره سواء من الأشياء أو الأفراد.
خصائص الشخصية:
إن الشخصية في محتواها العلمي تحتوى على كثير من الخصائص التي تميزها وقد ذكرت هذه الخصائص في التراث السيكولوجي وقد جمعها (أبو خاطر، ٢٠٠٠) على شكل نقاط نذكرها منها على سبيل المثال:
-
أول ما تمتاز به الشخصية هو أن الإنسان يشعر بها، وهذه إحدى ميزات الإنسان عن غيره من الحيوان، ولذا فإن مفهوم)الشخصية(لعله هو مفهوم)النفس(التي نشعر بها وعنها تقدر جميع مظاهر التكوين الإدراكي والجسمي والانفعالي والاجتماعي.
-
خاصية التفرد بمعنى أن الشخصية تختلف من فرد إلى فرد على الرغم من تشابه الأفراد في بعض نواحيها يحكم نشأتهم في ثقافة واحدة.
-
تمتاز بخاصية الثبات النسبي، وكذلك تمتاز سماتها بصفة الديمومة النسبية، وتدل ملاحظة سلوك الشخصي أن هناك نظاما معينا أو تنظيما معينا يبدو في سلوكه، وأن هذا الثبات يسمع بالتنبؤ بما سنفعل في المستقبل في مواقف محددة
-
تمتاز الشخصية بأنها مكتسبة، حيث أنها تمثل العلاقة الديناميكية بين الفرد وبيئته، فهي ليست موجودة عند الفرد منذ ولادته، وإنما هي نتاج للتفاعل الاجتماعي.
-
خاصية الديناميكية: أي الحركة المستمرة، فالشخصية متغيرة باستمرار نتيجة التفاعل بين العناصر المكونة لها والمواقف والظروف البيئية التي يعيشها الفرد، وهذا التغيير مستمر مع استمرار حياة الشخص.
-
السلوك هو السمة الرئيسية والبارزة والتي نتعرف بواسطتها على الشخصية ونوعيتها ومكانتها.
-
مظاهر السلوك المختلفة التي تعبر عن الشخصية يمكن أن تخضع للقياس، في مستوياته المتفاوتة من التراكيب والتعقيد
كما تتصف الشخصية بعدة صفات حددها "عبد الله" (2001) من أهمها:
-
الثبات:(consistent) فالأشخاص يسلكون من موقف إلى آخر عبر الزمن بصورة ثابتة فإذا سلك الشخص ما بطريقة معينة في موقف ما فإننا نتنبأ بأنه يسلك الطريقة في المواقف المشابهة.
-
التغير: فإذا كانت الشخصية تتميز بالثبات فإن ذلك لا يعني أنها سكوتية، إن الثبات هو ثبات نسبي، وهكذا فإن صفات النمو والتغيير والنمو والارتقاء والاكتساب ومداركه من مرحلة إلى أخرى فلولا صفة التغير في الشخصية لما وجدت تقنيات العلاج النفسي، أو أدت وظيفتها.
-
تكامل الشخصية: personality integration المقصود بتكامل الشخصية هو انتظام مكوناته وظيفياً ودينامياً في بناء متكامل منسجم ومتوازن يضمن للشخصية وحدتها، إن التكامل شرط ضروري للصحة النفسية وسلامة الشخصية، وأي خلل في هذا التكامل يؤدي إلي تفكك أو عدم انتظام مكوناتها يعني الاضطراب، ومن هنا حدد عبد الله الشخصية السوية بأنها: هي الشخصية المتكاملة وهي دليل الصحة النفسية، أما الشخصية المضطربة فهي غير المتكاملة وهي دليل الاضطراب أو اعتدال الصحة النفسية(عبد الله،2001: 79)
مظاهر تكامل الشخصية:
١- النمو الكامل للقدرات والاستعدادات والنزعات الفطرية والمكتسبة.
٢- تمكين هذه النزعات والاستعدادات والقدرات من التعبير عن نفسها.
٣- التوافق والانسجام وعدم وجود تصادم بين هذه النزعات في أثناء تعبيرها عن نفسها.
٤-عدم تعارض هذه النزعات مع خصوصيات البيئة المادية والاجتماعية.
5 - الخلو من الاضطرابات والأمراض النفسية.
6- الشعور بالقدرة على العمل والإنتاج ثم الإحساس بالسعادة
محددات الشخصية:
تتمثل محددات الشخصية في: الوراثة، والبيئة، وبنية الجسم، وفسيولوجيا الجسم. ويتضح ذلك كما يلي:
-
أولاً - الوراثة:
يؤثر النمط الوراثي الخاص الذي يتكون منذ الإخصاب في شخصية الفرد، والتي تنمو فيما بعد، ولما كان هناك تشابه بين كثير من سمات الأبناء وسمات الآباء والأجداد، فمن المفترض أن مثل هذه السمات قد انتقلت من جيل لآخر، ويرجع أحد أسباب الاختلاف في السمات بين الناس إلى أن الخصائص المتباينة التي توجد لدى الأفراد المختلفين تنقل إلى آبائهم، ولكنها لا توجد لديهم جميعاً، ويكون دور الوراثة في السمات الجسمية الخالصة كالقوام أكبر منه في السمات النفسية (لازاروس، 1993: 145)؛ ولكن أنصار الوراثة لا يذهبون إلى أن الشخصية موروثة، بل يميلون إلى القول بأنه ليس ثمة مظهر من مظاهر الشخصية يمكن أن يخلو من تأثيرات الوراثة والتي تحملها الجينات، وهذا يعني أنه إذا كانت كل خاصية تتأثر إلى حد ما بالجينات فإنها يمكن أن تتأثر أيضاً بالظروف البيئية المحيطة (غنيم، 1972: 75)
-
ثانياً - البيئة:
تبدأ المورثات البيئية منذ حمل الطفل في رحم أمه، والحالة العقلية والجسمية والانفعالية للأم تؤثر في تطور الجنين في الرحم، وتبدأ البيئة الخارجية من وقت ميلاده، فالإنسان اجتماعي بطبعه يولد في نظام اجتماعي، وجميع الناس يولدون متساويين من حيث حاجاتهم البيولوجية، وتتولد الفروق بسبب البيئة الاجتماعية التي تلبي فيها الحاجات وتلعب الأحوال الطبيعية والجغرافية للبيئة دوراً مهماً في تشكيل شخصيات الكائنات الإنسانية، فالبيئة الاجتماعية للبيت من الحالة النفسية والمعنوية للعائلة إلى العامل الاقتصادي تؤثر في الشخصية سلباً وإيجابا وكذلك فإن دور المدرسة والذي يشمل دور المعلم والجو العام الذي يسود المدرسة له أثره الذي لا ينكر في تطور شخصية النشء عبر مراحل عمره المختلفة، كما أن التراث الحضاري والثقافي الذي انتقل من جيل إلىجيل له أهميته في تشكي شخصية الفرد تدريجياً (الجبوري، 1990: 114)
-
ثالثاً - فسيولوجيا الجسم:
لقد لوحظ ارتباط بين اختلاف كلٍ من الشخصية وفسيولوجيا الجسم والكيمياء الحيوية له ويختلف الناس في عدد من المقاييس الفسيولوجية مثل حجم الغدد الصماء، واستجابة الجهاز العصبي اللاإرادي، وترتبط الفروق بين الشخصيات بالفروق الفسيولوجية البيولوجية، ولا شك أن مستوى الطاقة والمزاج يتأثران بعمليات فسيولوجية وكيميائية حيوية معقدة، ولكن ليس من السهل أن تحدد السبب وتفصله عن النتيجة في هذا الصدد لنحدد أي هذه الفروق موروثة وأيها ترجع إلى خبرات الحياة (عبد الخالق، 1990: 590)
ويفترض لازاروس أن الفروق الفردية الثابتة في بعض السمات السلوكية يمكن أن تكون نتيجة مقادير مختلفة من الهرمون الذي يجري خلال الجهاز، فالهرمونات لها تأثير ملحوظ على نمو الشخص ابتداء من بداية الحمل وما بعده، ومن ثم يمكن أن يؤثر في الشخصية عن طرق التأثير في شكل البناء والوظيفة الفسيولوجية التي تتكون في وقت مبكر من الحياة، وعليه فإن الفروق الفردية في النشاط الهرموني والتي تحدث نتيجة تأثيرات الوراثة والخبرات المبكرة في الحياة يمكن أن تخلق تراكيب فسيولوجية متغيرة تماماً من شخص لآخر، ومن ثم تؤدي إلىظهور أنماط مختلفة من السلوك طوال بقية الحياة (لازاروس، 1993: 169)
-
رابعاً - بنية الجسم:
وهي التركيب البدني الظاهر لجسم الإنسان، ونمط العلاقات بين مختلف أعضائه وفكرة الارتباط بين بنية الجسم والشخصية فكرة قديمة، وقد ذهب شلدون في دراسته الأولى إلى أن هناك درجة عالية من الارتباط بالتكوين الجسمي والمزاجي والشخصية، إلا أن ما ذهب إليه شلدون فيه مبالغة أظهرتها الدراسات العلمية بعد ذلك. (غنيم، 1972: 179)
فالتركيب الجسمي للشخص دون شك له بعض التأثير في سلوكه وشخصيته من خلال الحدود التي يضعها على قدراته ومن خلال رد فعل الآخرين له، أي أن بنية أجسامنا لا تحدد شخصياتنا، ولكنها يمكن أن تشكل شخصيتنا بالتأثر في كيفية معاملة الآخرين لنا، وطبيعة تفاعلنا مع الآخرين وأنواع المواقف التي نبحث عنها ونتجنبها (عبد الخالق، 1990: 569).