الصحة في الاسلام
الصحة النفسية من المنظور الإسلامي
إعداد: د. منى توكل السيد
مفهوم الصحة النفسية في الإسلام:
أدى إغفال علماء النفس المحدثين للجانب الروحي في الإنسان في دراستهم للشخصية وللصحة النفسية إلى قصور واضح في فهمهم للشخصية الإنسانية، وفي معرفتهم للعوامل المحددة للشخصية السوية وغير السوية، كما أدى إلى عدم اهتدائهم إلى تكوين مفهوم واضح دقيق للصحة النفسية، فنحن لا نستطيع أن نفهم الإنسان فهمًا صحيحًا إذا قصرنا اهتمامنا في دراسة شخصيته على الجوانب البيولوجية والاجتماعية والثقافية، وأهملنا الجانب الروحي، إنما ندرس الإنسان بأكمله دراسة كلية تتناول جميع العوامل المحددة لشخصيته، سواء كانت بيولوجية، أو اجتماعية، أو ثقافية، أو روحية (نجاتي،2002: 276).
والصحة النفسية في المفهوم الإسلامي تتمثل في أن يعمل الفرد على تحقيق التوازن بين مطالب الإنسان البدنية والروحية أو المعنوية دون إفراط ولا تفريط. وبإتباع الإنسان للمنهج الإسلامي وتعاليم الدين الحنيف وآدابه وشرائعه في العبادات والمعاملات، يتحقق له هذا التوازن وتلك الوسطية، أمَّا ابتعاده عن ذلك المنهج فإن ذلك يودي به إلى الضلال مما يعني انحراف صحته النفسية بمقدار انحرافه عن ذلك المنهج.
فقد اتفق كل من "الغزالي"، "وإبن القيم" من العلماء المسلمين القدامى، "ونجاتي" من المحدثين؛ على أن الشخص السوي المتمتع بالصحة النفسية صاحب قلب سليم قادر على تحقيق التوازن بين مطالب الجسم والنفس والروح وبين مصالح الجماعة. (مرسي، 1988)
ويرى علماء النفس وعلماء الصحة النفسية المسلمون أن العيب الكبير الذي يكتنف مفهوم الصحة النفسية لدى علماء النفس المحدثين ومن تابعهم من العرب والمسلمين هو عدم تفهمهم لطبيعة التكوين الإنساني من حيث أنه مخلوق ذو طبيعة ازدواجية تشتمل على عنصرين رئيسين هما؛ العنصر المادي الجسمي، والعنصر الديني الروحي. كما يتفقون على أن مفهوم الصحة النفسية لدى الغرب ركز وبشكلٍ مكثف على الجانب المادي وأهمل الجانب الروحي (نجاتي، 1989؛ كفافي، 1986)
تعرف الصحة النفسية في المفهوم الإسلامي على أنها تحصيل للسعادة الناتجة عن إشباع الرغبات الحسية المشروعة، والأهم من ذلك إشباع الرغبات النفسية المعنوية المتمثلة في العمل والإنجاز والتفوق والتقدير والاستحسان وإدراك الخير والجمال ولذة العلم والمعرفة (مرسي، 1988). فقد ذهب الغزالي (تحقيق: عبد العليم، 1987) إلى أن لذة العلم والمعرفة تفوق كل اللذات الحسية. ويشير ابن القيم إلى مفهوم الإدراك الصحيح للواقع كبعد هام من أبعاد الصحة النفسية، فيؤكد على أن حياة القلب وصحته لا تحصل إلا بأن يكون مدركاً للحق مريداً ومؤثراً له على غيره(ابن القيم،1983)
وتحدد "المطيري" (2005) مفهوم الصحة في الإسلام فتقول "أما مفهوم الصحة النفسية في ضوء النظرة الإسلامية إلى الإنسان فتعتبره كلا متكاملا من روح ونفس وجسم. غاية وجوده هي عمارة الأرض وعبادة الله، ولتحقيق هذه الغاية أرسل الله إليه الرسل والأنبياء ليوضحوا له كيف يعمر الأرض؟ وكيف يعبد الله؟ ويبينوا له طرق الهدى والفلاح التي رسمها الله لتناسب فطرته، وتربطه بخالقه وتوفر له الأمن والطمأنينة في حياته النبوية ويحقق له التوازن بين قواه الروحية والجسدية والنفسية؛ فيعيش سعيدًا في القرب من الله وسلام مع الناس ووئام مع النفس ونجاح في الحياة الدنيا، ويؤكد الاتجاه الديني على ضعف الإنسان واعتماده على الله وان خلاصه لن يتم إلا بالتجائه إلى الله واعتماده عليه.
في حين يعرف البعض الصحة النفسية بأنها "حالة من التوازن والتكامل بين الوظائف النفسية للفرد تؤدي به أن يسلك بطريقة تجعله يتقبل ذاته ويقبله المجتمع بحيث يشعر دومًا بالرضا والكفاية" ويقصد بالوظائف النفسية هي جوانب الشخصية المختلفة الجسمية والعقلية والانفعالية والدافعية والاجتماعية، ويقصد بالتوازن أن لا تطغى إحدى الوظائف النفسية على الوظائف الأخرى، ويشير مفهوم التكامل أن كل وظيفة نفسية تؤدي دورها أو عملها بتوافق وتناغم مع الوظائف الأخرى باعتبارها جزءًا من نظام كلي عام. وتقبل الذات أي الرضا عن النفس، فلا نتصور شخصا يتمتع بصحة نفسية وهو يرفض ذاته ويكرهها، وكذلك تقبل المجتمع الذي يعيش فيه والرضا والكفاية، أي رضا الفرد عن نفسه وشعوره بالسعادة وغياب المشاعر الاكتئابية (المطيري، 2005: 26)
ومن الممكن أن يتحقق المفهوم النفسي للاطمئنان حينما يتحقق التوازن بين البدن والروح، حيث تتحقق ذاتية الإنسان في صورتها الحقيقية الكاملة، والتي تمثلت في شخصية الرسول الكريم محمد حيث جمعت بين القوة الروحية الشفافة، والحيوية الجسمية الفياضة، فكان يعبد ربه حق عبادته في صفاء ذهني وخشوع روحي، كما كان يعيش حياته كغيره من البشر، يشبع حاجاته البدنية في الحدود التي رسمها الشرع الحنيف، ولذلك فهو يمثل الإنسان الكامل والشخصية الإنسانية النموذجية الكاملة، التي توفرت فيها جميع القوى الإنسانية البدنية والروحية (نجاتي، 1987: 281)