أسباب نشوء الأزمات
أسباب نشوء الأزمات
تتعدد أسباب نشوء الأزمات وتتنوع، فلكل أزمة ملامحها الخاصة وكذلك أسبابها الخاصة. ولعل دراسة وتحليل كل أزمة على حدا تعتبر الوسيلة الفعالة لتحديد أسبابها المباشرة والغير مباشرة. بيد أن ذلك لا يمنع من محاولة إيجاد مقاربة عامة لأهم الأسباب المولدة للأزمات. في هذا السياق، عمد الباحث إلى تقسيم الأسباب العامة للأزمات في ثلاثة محاور أساسية أولها يرتبط بالعنصر البشري وثانيها يتعلق بالإدارة أما ثالثها فيبقى رهينا لأسباب خارجة عن إرادة المنظمة.
أ. أسباب مرتبطة بالعنصر البشري
الأسباب المتعلقة بالعنصر البشري تعني أساسا جملة الأسباب التي ترتبط بشخص معين أو مجموعة محدودة من الأشخاص الذين يؤثرون بقراراتهم أو سلوكهم على عمل المنظمة مما يعجل بظهور الأزمات وتفاقمها. من بين هذه الأسباب، يمكن ذكر ما يلي: • سوء الفهم: الأزمات الناجمة عن سوء الفهم تكون دائما عنيفة، إلا أن مواجهتها تكون سهلة، وخاصة بعد تأكد سببها، الذي غالبا ما يرجع إلى المعلومات الناقصة، أو التسرع في إصدار القرارات، ولذلك تتضح أهمية الحرص على الدراسة الكاملة للمعلومات، قبل إصدار القرار؛ • عدم استيعاب المعلومات بدقة: حيث يشترط اتخاذ القرارات السديدة، استيعاب المعلومات وتفهمها بصورة صحيحة، إذ أن الخطأ في إدراكها وتداخل الرؤية سيكونان سبباً لنشوء أزمات عنيفة للكيان الإداري أو المشروع أو الدولة بسبب انفصام العلاقة بين ذلك الكيان والقرارات المتخذة؛ • سوء التقدير والتقييم: هو من أكثر أسباب نشوء الأزمات، وخاصة في حالة الاصطدام الناشئ عن الإفراط في الثقة غير الواقعية، واستمرار خداع الذات بالتفوق، فضلا عن سوء تقدير قدرات الطرف الآخر والتقليل من شأنه، ما يسفر عن سوء تقدير للموقف برمته. وتزداد التوازنات اختلالا إذا خادع الطرف الآخر نظيره، فعمد إلى حشد طاقاته والاستعداد الجيد للمواجهة التي يختار توقيتها الملائم ويحقق المفاجأة التي تصل إلى درجة الصدمة، فيفقد الطرف الأول توازنه و يلجأ إلى أساليب ارتجالية عشوائية تتمخض بأزمة مدمرة تصاحبها غالبا ضغوط عنيفة تطيح بالكيان؛ • السيطرة على متخذي القرار: وتعني ابتزاز متخذ القرار و إيقاعه تحت ضغط نفسي ومادي واستغلال تصرفاته الخاطئة التي كان قد اقترفها وبقيت سرا لإجباره على القيام بتصرفات أكثر ضررا تصبح هي نفسها مصدرا للتهديد والابتزاز. وتعتبر السيطرة على متخذي القرار آلية أساسية لصناعة الأزمة و تستخدمها الكيانات العملاقة في تدمير الكيانات الصغرى والسيطرة عليها؛ • اليأس: هو شعور نفسي وسلوكي يشكل خطرا داهما على متخذي القرار إذ يحبطهم ويفقدهم الرغبة في العمل والتطور والتقدم، ويجعلهم في حالة رتيبة (الروتين). ويتفاقم الشعور باليأس فتتشكل حالة اغتراب بين الشخص والكيان وتصل إلى قمتها بانفصام مصلحتيهما.وتتطلب مواجهة هذا النوع من الأزمات إشاعة جو من الأمل من خلال تحسين ظروف العمل وتأمينها؛ • الأخطاء البشرية: وهي أحد أسباب نشوء الأزمات، سواء كانت في الماضي أو الحاضر أو المستقبل، وقد تكون عاملا من عوامل نشوء كارثة تتوالد منها أزمات عديدة؛ • عدم الثقة و عدم المساندة بين العاملين داخل المنظمة، مثل سيادة الأنانية و التفكير في النفس فقط، وجود حالة من اليأس و الاحساس بعدم جدوى الشكوى، عدم المشاركة الكافية للعاملين في صنع القرارات و عدم الإعتراف بالأخطاء؛ • التنافس السلبى و النزاع الهدام بين العاملين داخل المنظمة.
ب. أسباب إدارية
تعتبر الأسباب الإدارية من بين أهم الأسباب القائمة وراء نشوء الأزمات وتطورها. وتعني عموما مجموعة الأسباب المرتبطة بالإدارة المسؤولة مباشرة عن الأزمة. من بين هذه الأسباب الأكثر شيوعا، يمكن أن نسلط الضوء على ما يلي: • ضعف الإمكانيات المادية و البشرية للتعامل مع الأزمات؛ • تجاهل إشارات الإنذار المبكر المشيرة إلى إمكانية او احتمال حدوث أزمة مثل شكاوى العملاء؛ • الإدارة العشوائية الارتجالية: هذا الأسلوب من الإدارة لا يسبب الأزمات فقط، وإنما يساعد كذلك على تدمير الكيان نفسه ويكون باعثا على تحطيم قدراته وإمكانياته واستعداده لمواجهتها. فالإدارة العشوائية تنبثق من الجهل وغياب النظرة العلمية الإستراتيجية وتشجع الانحراف والتسيب وتجعل من متخذ القرار شخصا لا يؤمن بالتخطيط وأهميته. كما تساعد على إشاعة الصراع بين مصالح الإدارة ومصالح العاملين في الكيان الإداري؛ • عدم وضوح أهداف المنظمة من قبيل عدم موضوعية تقييم الأداء، عدم وضوح الأولويات المطلوب تحقيقها، عدم معرفة العاملين بما هو مطلوب منهم و،عدم وضع خطط مناسبة لمواجهة تحديات المستقبل؛ • القيادة الإدارية غير الملائمة داخل المنظمة؛ • الخوف الوظيفى داخل المنظمة، مثل ضعف أوغياب التفويض و التزام الصمت داخل المنظمة و عدم مشاركة العاملين في صنع القرارات؛ • ضعف العلاقات الداخلية بين العاملين داخل المنظمة.
ج. أسباب خارجة عن إرادة المنظمة
هذه الأسباب لا ترتبط أساسا بالعنصر البشري أو الإداري، بل تأتي عادة من مصادر خارجية مثل: • الكوارث الطبيعية: وهي أحد أسباب نشوء الأزمات، مثل الزلازل و البراكين و غيرها من الكوارث التى يصعب التكهن بها و التحكم في أبعادها، و عادة ما يكون لها تداعيات سلبية على أداء المنظمة؛ • الشائعات: هي من أهم مسببات الأزمات وبواعثها، بل قد تكون مصدرها الأساسي، إن وظفت مقترنة بعدة حقائق ملموسة وبأسلوب متعمد ومضلل وفي توقيت ملائم وفي إطار بيئة محددة. ويتضح ذلك، من خلال الشائعات التموينية و العمالية الناجمة عن إشاعة تخفيض الأجور أو الاستغناء عن عدد من العمال. هذه الشائعات تسبب مظاهرات عمالية عنيفة تتطلب معالجتها حكمة بالغة تحول دون تسببها بخسائر مادية وبشرية جسيمة؛ • استعراض القوة: تنتهج هذا الأسلوب الكيانات الكبيرة الرامية إلى تحجيم الكيانات الصغيرة الصاعدة. وكذلك، تلجأ إليه الكيانات الأصغر رغبة في قياس رد فعل الكيانات الأكبر حجما. وبذلك تبدأ عملية استعراض القوة، من دون حساب مسبق للنتائج، فتتولد الأزمات وتتفاقم مع تتابع الأحداث وتراكم النتائج؛ • تضارب المصالح: يعتبر تضارب المصالح وتباينها من الأسباب الرئيسية لنشوء الأزمات سواء على المستوى المحلي أو الدولي، بل على مستوى الوحدات الاقتصادية والإدارية كذلك. فإذا تضاربت المصالح بين الكيانات أو الأشخاص، برز الدافع إلى نشوء الأزمة، إذ سيعمل كل طرف على خلق الأزمات للطرف الآخر وسيسعى كل منهما لاستمرار استفحالها وضغطها على الجانب الآخر. وعلى الرغم من أنها قد تضر بكلا الطرفَين، إلا أن كلا منهما يسعى لأن يكون إضرارها بالآخر أشد.