Logo
دعاء نبوي عظيم كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يكثر منه

الدعاء من أعظم العبادات، ومن خير ما تنال به الغايات، وتدفع به الشرور والبليات، وإن خير الدعاء ما دعا به سيد الأنبياء، رسولنا ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإنه لا أحدَ أعلمُ بالدعوات النافعة منه؛ فما كان ليختار إلا أنفع الدعاء، وإن خير دعواته ما كان مواظباً على الدعاء به حتى مماته، وهنا دعاء كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يكثر منه، يرويه خادم الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ الصحابي الجليل أنس بن مالك، وقد أخرج الحديث البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي، يقول أنسٌ ـ رضي الله عنه ـ: «كثيراً ما كنت أسمع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يدعو بهؤلاء الكلمات، وفي رواية قال: «كنت أخدم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا نزل، فكنت أسمعه كثيراً يقول.. ثم ذكر الدعوات، وأنتم تعرفون بأن أنساً رضي الله عنه خدم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عشر سنين، وهذا يدل على أنه طيلة هذه السنوات العشر، وهو يسمع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يكثر من هذا الدعاء، وهذا لا شك يدل على أهمية هذا الدعاء، فما هذا الدعاء الذي كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يكثر منه؟ الدعاء هو: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبْن، وضلع الدين، وغلبة الرجال». هذا الدعاء من أنفع الدعاء لتحصيل السرور والسعادة، ودفع الهم والكآبة، وهو من أنفع الدعاء للحصول على الخير، والبعد عن كل ما يضر؛ يقول الإمام ابن القيم: «ينتهي ضعف القلب إلى هذه الأشياء الثمانية التي استعاذ منها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ»؛ فإليكم مناسبة الجمع بين كل اثنين منها: أولاً: الهم والحزَن وهما قرينان: فإن المكروه الوارد على القلب إن كان على أمر مستقبل أحدث الهم، وإن كان على أمر ماض أحدث الحزَن، وتخلف السعادة عن الإنسان يكون بسبب التفكير في الماضي، واجترار مآسيه ومصائبه، أو بسبب التفكير في المستقبل، وماذا سيحدث لك ولأسرتك وأحبابك في المستقبل، فالجمع في الاستعاذة بين الهم والحزن سبيل لتأمين المستقبل والسرور فيه، والعتق من أغلال الماضي والتفكير فيه. ثانياً: العجز والكسل، وهما قرينان: فإن ترك المسلم فعل الطاعة، مرده إلى هذين الأمرين، فإن كان غير قادر على فعل الطاعة فهو العجز، وإن كان قادراً ولم يفعلها فهو الكسل، فالاستعاذة من هذين الأمرين سبيل للنشاط على العبادة، وعدم الضعف البدني والنفسي عنها. ثالثاً: الجُبْن والبخل، وهما قرينان: فإن عَدمَ نفع الآخرين مرده إلى هذين الأمرين؛ فإن كان لا يستطيع نصر الآخرين ببدنه فهو الجبن، وإن كان لا يستطيع نفع الآخرين بماله مع قدرته فهو البخل، فالاستعاذة من الجبن والبخل سبب في أن تنفع الآخرين وقلبك مملوء ثقة بالله، وتوكلاً عليه. رابعاً: ضلع الدين وقهر الرجال قرينان: فإن استعلاء الغير عليك إن كان بحق فهو من ضلع الدين، وضلع الدين: هو العجز عن تسديده، وما يصيبك من جراء ذلك من ملاحقة الغرماء وشكايتهم، وإن كان استعلاء الغير عليك بباطل وظلم فهو من قهر الرجال. فهذه أيها الكرام ثمانية أمور مكروهة تقي نفسك منها باستعاذتك بالله منها، فينبغي لكل مسلم عَلِمَ هذه الدعوات أن يحفظها ويحافظ عليها، ويكثر من دعاء الله بها. « اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبْن، وضلع الدين، وغلبة الرجال ».

فائدة نفيسة من فوائد الصدقة والاستغفار

من فوائد الصدقة والاستغفار أنه قد يكفر بهما خطأك على الآخرين، ويدل على ذلك حديث عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: «يا معشر النساء، تصدقن وأكثرن الاستغفار، فإني رأيتكن أكثر أهل النار» فقالت امرأة منهن جزلة: وما لنا يا رسول الله أكثر أهل النار؟ قال: «تكثرن اللعن، وتكفرن العشير..» أخرجه مسلم. قال ابن حجر في الفتح ١ / ٦٨٩: (فيه أن الصدقة تدفع العذاب، وأنها قد تُكفِّر الذنوب التي بين المخلوقين). قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى 11 / 698: (إذا وجد العبد تقصيراً في حقوق القرابة والأهل والأولاد والجيران والإخوان، فعليه بالدعاء لهم والاستغفار، قال حذيفة بن اليمان للنبي ـ صلى الله عليه وسلم إن لي لسانا ذرباً على أهلي ـ أي لساناً حادَّاً ـ فقال له: «أين أنت من الاستغفار؟ إني لأستغفر الله في اليوم أكثر من سبعين مرة). والحديث الذي ذكره شيخ الإسلام أخرجه النسائي وابن ماجه، وفي سنده ضعف؛ لكن يعضده الحديث السابق، فينبغي للمسلم أن ينتبه لهاتين العبادتين العظيمتين: ( الصدقة والاستغفار).

اُخْبُرْ تَقْلِهْ

أخرج ابن المبارك في كتاب الزهد (185) عن أبي الدَّرْدَاءِ قال: «وَجَدْتُ النَّاسَ اُخْبُرْ تَقْلِهُ». تَقْلِهُ: بفتح التاء، وسكون القاف، وضم اللام أو كسرها، من القِلَى، وهو البغض الشديد. وفي معنى هذا الأثر يقول السيوطي في عقود الزبرجد 2 / 291: «معناه: أني جربت الناس فما منهم إلا من إذا اطلعتَ على سريرته وجربتَه واختبرتَه، وانكشف لك باطنه بغضتَه واجتنبتَه». وقال الصنعاني في التنوير 1/ 444 : « أي إن اختبار الناس سبب لبغضهم؛ وذلك لأن الخبرة محك الرجال، يعرف بها رديئهم من جيدهم، وهو في معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "الناس كإبل مائة لا تجد فيها راحلة" رواه البخاري ومسلم». وقال المناوي في فيض القدير 1 / 206: «من جرب الناس عرف ندرة إنصافهم، وفرط استئثارهم، وفي العيان ما يغني عن البرهان، وفي هذا اللفظ من البلاغة ما هو غني عن البيان». والفائدة من معرفة هذا ما ذكره الصنعاني في التنوير فقال: «إنه ينهى عن بغض الناس، فالمراد النهي عن التعرض لفعل سببه، وهو البحث والتفتيش والاختبار؛ بل يدعهم على ظاهر حالهم». فينبغي للعاقل في علاقته العامة مع الناس ألا يكون دقيقاً معهم، مفتشاً أحوالهم، مختبراً صفاتهم؛ بل يعاملهم على ظاهرهم حتى تبقى أواصر المودة، وروابط المحبة؛ فليس بلازم أن يدخل في العمق مع كل إنسان. كما أن في هذا الأثر فائدة أخرى، وهي ألا تذهب نفس الإنسان حسرات؛ إذا خيَّب إنسانٌ ظنه؛ فهذه طبيعتهم في الأغلب. قال القرطبي في المفهم 6 / 507: « الرجل الكريم، الجواد، الذي يتحمل كَلَّ الناس وأثقالهم بما يتكلفه من القيام بحقوقهم، والغرامات عنهم، وكشف كربهم، فهذا هو القليل الوجود، بل: قد يصدق عليه اسم المفقود». وقوله ـ رحمه الله ـ «قد يصدق عليه اسم المفقود» قد يكون فيه نوع مبالغة، فيوجد في الناس ـ والحمدلله ـ من هو كالريح المرسلة نخوةً وكرماً وشهامةً ومروءة، ولكن هذا قليل

بشرى عظيمة للرجل المنفق على زوجه وأولاده

أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «الساعي على الأرملة والمسكين، كالمجاهد في سبيل الله، أو القائمِ الليل، الصائمِ النهار». قال العلامة ابن عثيمين في شرح رياض الصالحين 3 / 100: «المساكين هم الفقراء؛ ومن هذا قيام الإنسان على عائلته الذين لا يكتسبون وسعيه عليهم؛ فإن الساعي عليهم والقائم بمؤونتهم ساع على مساكين، فيكون مستحقاً لهذا الوعد، ويكون كالمجاهد في سبيل الله، أو كالقائم الذي لا يفتر وكالصائم الذين لا يفطر». وقد قيده الشيخ في تعليقه على البخاري 3 / 717 بمسألة النية فقال: «طلب الرزق إذا نويت أنه من السعي على المساكين حصلت على منزلة المجاهد في سبيل الله، وعائلتك التي لا تستطيع الاكتساب تدخل في المساكين». ويؤيد شرط النية ما أخرجه البخاري من حديث أبي مسعود ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: «إذا أنفق الرجل على أهله يحتسبها فهو له صدقة». قال القرطبي في المفهم 4 / 545: «هذا يفيد بمنطوقه: أن الأجر في النفقات لا يحصل إلا بقصد القربة إلى الله عز وجل وإن كانت واجبة. وبمفهومه: أن من لم يقصد القربة لم يؤجر على شيء منها». فينبغي للمسلم أن يحتسب الأجر في نفقته على أهله وولده حتى يحصل على هذا الأجر العظيم.

Logo
Logo